الخرطوم – اليراع الدولية ( تغطية صحيفة القدس العربي) : بعد يوم من مقتل متظاهر في مدينة أمدرمان السودانية، أعلنت تنسيقيات لجان مقاومة الخرطوم، امس الأحد، التصعيد المفتوح في كل مدن البلاد، فيما نددت قوى «الحرية والتغيير» بالقمع الأمني، قبل أن تلمح لعدم جدوى مواصلة الحوار ضمن الآلية الثلاثية المشتركة (بعثة يونيتامس الأممية والاتحاد الأفريقي والإيغاد) التي أعربت عن «قلقها البالغ إزاء استمرار استخدام القوة المفرطة». وبالتزامن تواصلت الاعتقالات حيث كانت القيادية في الحزب الشيوعي، آمال الزين، آخر المستهدفين.
ويأتي ذلك في ظل حالة من الانسداد السياسي التي تعيشها البلاد، منذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وفي وقت مبكر من صباح أمس الأحد، أغلق الجيش بعض الطرق المؤدية إلى مقره الرئيسي في الخرطوم.
واتهمت لجان المقاومة «السلطات الانقلابية وقواتها المختلفة، بأعمال عنف وقتل بالرصاص الحي» تجاه المتظاهرين السلميين في موكب 21 مايو/ أيار، في مدينة أمدرمان غربي الخرطوم، مما أسفر عن مقتل متظاهر ووقوع عشرات الإصابات.
ودعت لجان المقاومة المحتجين للتمسك بالسلمية والبدء في تصعيد مفتوح بكل مدن السودان وقراه واستخدام كل وسائل المقاومة السلمية والمدنية المجربة.
وأضافت، في بيان، أن «هذه السلطة الانقلابية الغاشمة ظلت تمارس كل أفعالها دون رادع ودون احترام لهذا الشعب العظيم» ودعت «جميع القوى الرافضة للانقلاب لتكثيف العمل السياسي والثوري».
وكانت لجنة أطباء السودان المركزية رجحت أن يكون مقتل المتظاهر في أمدرمان، محمد خالص الدين (20 عاما)، قد تم بسلاح خرطوش.
وشددت، في بيان، على أن «الشهداء ليسوا أرقاما تحصى، وإنما هم أرواح محرم قتلها في كل الديانات والأعراف والتقاليد، وهم حياة وسط الأهل والأصدقاء، وهم لحظات قدموا فيها لوطنهم ولم يبخلوا»
وأضافت: «يعتصرنا الألم والحزن،عند فقدان الرفاق، وقد تعاهدنا جميعاً على السير في طريق سبقونا فيه حتى الوصول إلى دولة تكفل حق الحياة الكريمة والحريات والعدالة والسلام».
وتابعت «أن تمادي الانقلابيين في القتل إنما هو نتيجة وهم عابر صوّر لهم ان لا عقاب سينالهم وأن أمان العقوبة سيدوم طويلاً طالما ان سبابة جنودهم وهي تسحب الزناد ستعلن عن إزهاق روح جديدة ستبث الرعب في القلوب وتُخْمِد شرارة الثورة».
وكانت مواكب مدينة أمدرمان تعرضت للقمع المفرط بالرصاص الحي وسلاح الخرطوش والقنابل الصوتية والتصويب المباشر لعبوات الغاز المسيل للدموع على أجساد المتظاهرين، مما أدى إلى سقوط قتيل وعشرات الإصابات.
وعلقت قوى «الحرية والتغيير» على هذا القمع بالقول إن «الشعب لا يزال مرجلاً يغلي ضد الانقلاب ويقدم الشهيد تلو الشهيد» مشيرة إلى أن «مقتل خالص الدين برصاص قوات الانقلاب، يوضح أنها لم تتعلم من دروس مقاومة الشعب للاستبداد شيئاً، ولم تنس شيئاً».
وبينت أنه «مع استمرار حالة القمع الأمني، لا يزال العشرات من معتقلي لجان المقاومة يقبعون في سجون السلطة الانقلابية، في ظل معاناةِ عدد منهم تدهوراً في حالتهم الصحية وسوء المعاملة، خاصة في سجن بورتسودان شرقي السودان».
ودعت السودانيين في الداخل والخارج لـ«تصعيد حملات التضامن مع المعتقلين، كما دعت إلى تعلية راية وحدة قوى الثورة دون تلكؤ أو تردد، لبناء أوسع جبهة مدنية لهزيمة الانقلاب».
وخاطبت المجتمع الدولي بالقول «لقد أكد العنف المتصاعد خلال الفترة الماضية وفي تظاهرات أم درمان الأخيرة، أن قادة الانقلاب فاقدين للإرادة السياسية ولا يرغبون في مناخ ديمقراطي أو حل سياسي، وهو ما يؤكد صحة موقفنا المعلن مسبقاً بأنه لا يمكن الشروع في أي عملية سياسية منتجة في ظل حالة الطوارئ والعنف المفرط والقتل المستمر في مواجهة الحركة الجماهيرية واستمرار الاعتقالات السياسية والقرارات الارتدادية التي تتخذها السلطة الانقلابية لصالح نظام الرئيس المخلوع عمر البشير».
كذلك أدان حزب الأمة القومي، القمع العنيف ومقتل متظاهر في أمدرمان.
وقال، في بيان، إن «استمرار حالة الطوارئ يطلق يد السلطات الأمنية دون حسيب أو رقيب، في ضوء تراجع كبير جداً في عمل الأجهزة العدلية كلها وتدهور حالة حقوق الإنسان في السودان».
وأضاف «إننا ندين بأغلظ العبارات هذه الانتهاكات الواسعة والقتل المستمر بأدوات مختلفة وبلا أدنى مسؤولية من طرف أجهزة حفظ القانون وقادة الانقلاب الذين يتحملون مسؤولية أنهار الدم في الشارع» مشيراً إلى أن «حالة المعتقلين في سجون الانقلاب حسب التقارير التي تلقاها الحزب تجل عن الوصف».
ولفت إلى أن المعتقلين «يعانون إهمالاً صحياً وسوءاً في التغذية ونقصاً في مياه الشرب الصالحة للاستخدام الآدمي وغياباً تاماً للتواصل مع أسرهم ومحاميهم في أسوأ مشهد للانتهاكات في البلاد».
وأكد أن «حالة الطوارئ تمثل سيفا مسلطا على الرقاب، واستمرارها يعني رغبة قادة الانقلاب في مواصلة مسلسل الانتهاكات والاستهانة بالشعب السوداني وكرامته وحقوقه» داعيا لـ«إطلاق حملة حقوقية محلية ودولية واسعة بمشاركة القوى الديمقراطية كلها من أجل رفع حالة الطوارئ فوراً، ووقف الانتهاكات بحق السودانيين وضمان إحقاق العدالة وتقديم جميع المتهمين في القتل والسحل والانتهاكات كافة إلى محاكمات عادلة».
وتابع إن «ما يجري يشكك في نوايا قادة الانقلاب في جهود الآلية الثلاثية في تسهيل الوصول لتحول مدني ديمقراطي يوافق مطالب الشعب السوداني وهذا ما يدعونا لوضع الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وإيغاد والمجتمع الدولي أمام مسؤولياتها والضغط من أجل وقف العنف والانتهاكات ورفع حالة الطوارئ فوراً وتهيئة الأجواء بشكل جدي من أجل تحول مدني ديمقراطي وعودة الطرف العسكري لواجباته الأساسية، بدلاً من خوض معترك السياسة وضمان محاكمة المتهمين في كل الجرائم التي ارتكبت في المرحلة السابقة والمراحل التي سبقتها».
وانضم أيضاً حزب «البعث العربي الاشتراكي» إلى المنتقدين، وقال في بيان إن «إنهاء الانقلاب وتصفية مخلفاته يمثل الحلقة المركزية في أولويات نضال قوى الديمقراطية والتغيير».
وأشار إلى أنه «في الوقت الذي تتعثر فيه مساعي الآلية الثلاثية في استيعاب الأزمة التي عمقها انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول، تعمد سلطة الانقلاب الدموية في محاولة لكسب الوقت تعزيز قبضتها الأمنية على الوضع بمزيد من الإفراط في القمع والإجراءات الإرهابية، في مواجهة التصميم والإرادة الشعبية السلمية المقاومة للانقلاب والمتمسكة بإسقاطه وتصفية آثاره وإقامة السلطة المدنية الديمقراطية التي تمارس سلطتها على كافة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية».
وأوضح أن «مقتل متظاهر وإصابة المئات من رفاقه في أمدرمان والخرطوم والخرطوم بحري، بكثافة شظايا الرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع خلال مسيرات يوم 21 مايو/ أيار السلمية، ومحاصرة المشاركين فيها والحيلولة بكل الوسائل دون إسعاف المصابين أو نقلهم إلى أقرب المشافي، يكشف مدى تشبث الانقلابيين بالسلطة واستخدام العنف والإرهاب لتكريسها».
وأكد أن «تطورات الأحداث إضافة إلى ما سبق في الأيام الماضية، خاصة أحوال المعتقلين في سجون الانقلاب وحراسات الشرطة، وتفاقم الأوضاع المعيشية والأمنية، وارتفاع مناسيب الفساد وتهريب مقدرات البلاد وثرواتها، تكشف حقيقة موقف النظام الانقلابي الفاشي من المطلوبات التي وعد بها الآلية الثلاثية، كما تكشف من جانب آخر مناورات سلطة الانقلاب وأكاذيب الاستعداد للتخلي عن السلطة».
كما أشار إلى أن «السجون والمعتقلات السرية والمعروفة، ما تزال تحتشد بالمئات من المعتقلين من المحتجين ولجان المقاومة، وأن الانقلاب يتجه بدلا من الإفراج عنهم إلى تقديمهم لمحاكمات جزافية».
ولفت إلى أن «هناك تطوراً ملموساً في سياسة القمع التي تتبعها قوات الانقلاب وتتمسك بها، باعتبارها المسوغ الوحيد لبقائه واستمراره، واستخدامه أدوات قمعية، شملت التوسع في استخدام سلاح الخرطوش الذي يطلق عدد كبير من متناثر الرصاص، وفي الدهس عن طريق السيارات، وفي استخدام ما يعتقد بأنه سلاح ليزر مبتكر يخلف كسورا في العظام، دون آثار أو جروح خارجية، وهو ما تمت ملاحظته وسط إصابات المشاركين خلال التظاهرات الأخيرة، والذي أكدته لجنة الأطباء، مؤكدة في الوقت ذاته أنها تتحرى للتوصل لحقيقته».
وبين أن «مجمل تلك الأساليب لا ينافس الانقلابيين فيها إلا العدو الصهيوني على أرض فلسطين بعد أن استعاروا أساليبه وأدواته».
ورأى أن «تباطؤ قوى الثورة عن إنجاز وحدتها، واستخدام سلاحها المجرب لإسقاط الانقلاب عبر العصيان المدني والإضراب السياسي، أفسح المجال للمبادرات المحلية والخارجية لمحاولة إيجاد حلول توفيقية للأزمة، من منطلقات مختلفة، هو الذي يفسح المجال أمام الانقلاب لإطالة عمره بمزيد من الإجراءات القمعية والكبت والتوسع فيهما».
وشدد على أن «إنهاء الانقلاب هو الحلقة المركزية في المهام المطروحة أمام قوى الثورة بمختلف مكوناتها السياسية والاجتماعية والنقابية والمهنية ولجان المقاومة وتنظيمات النساء والطلاب والشباب والنازحين وكذلك السودانيين العاملين في الخارج».
ودعا كافة قوى الديمقراطية والتغيير إلى «إطلاق أوسع حراك شعبي وحقوقي من أجل إطلاق سراح كافة المعتقلين دون قيد أو شرط، ومساءلة المجرمين القتلة وكفالة الحق في التعبير السلمي».
ونوه إلى أن «التعاطي مع الانقلاب لا بد أن ينطلق من موقف واضح برفض الانقلاب، ورفض أي مسعى لشرعنته، وحتمية تصفيته من أجل الانتقال الديمقراطي القائم على أساس دستوري لأقصر فترة انتقالية، بسلطة مدنية ديمقراطية تشرف على إجراء انتخابات شفافة ونزيهة، بتوفير متطلباتها بما فيها استئناف عمل لجنة التفكيك واسترداد المال العام ومحاربة الفساد، وإنهاء تعدد الجيوش والميليشيات، وبناء جيش وطني حديث، وتحقيق العدالة الجنائية والعدالة الانتقالية، ووقف التدهور الاقتصادي ونهب المقدرات والموارد».