مليونية ١٩مايو الحاشدة تبهر العالم مرة اخرى بتصميم الثورة السودانية لاسقاط النظام

الخرطوم- اليراع الدولية-(تغطية القدس العربي)– شهدت العاصمة الخرطوم ومدن سودانية أخرى، امس الخميس، مظاهرات حاشدة جديدة منددة بالانقلاب ومطالبة بعودة الحكم المدني الديمقراطي في البلاد.

واجهتها قوات الأمن «باستخدام العنف المفرط» حسب ما أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية، مؤكدة إصابة أعداد كبيرة من المحتجين.
وقالت اللجنة إن «قوات الأمن أطلقت عبوات الغاز المسيل للدموع مباشرةً على أجساد الثوار وبكميات كبيرة، معرضة حياتهم للخطر عبر الاختناق أو إصابة الأجزاء الحيوية في الجسم كالرأس والعنق والصدر والبطن».
وتوجه المتظاهرون الذين قدروا بالآلاف، نحو القصر الرئاسي وسط الخرطوم للمطالبة بإسقاط الانقلاب وتسليم السلطة للمدنيين.
وعلى الرغم من مضي نحو سبعة أشهر على انقلاب الجيش على الحكومة الانتقالية، لا يزال الحراك الشعبي يتصاعد في السودان، مطالبا بخروج العسكر من السلطة وتسليمها للمدنيين.
وانتظم المحتجون في نقاط التجمع المعلنة، يحملون العلم السوداني ورايات لجان المقاومة والأجسام الثورية الأخرى.
وفي المقابل، كانت قوات الأمن حاضرة منذ بداية التجمع، كما اعتادت في التظاهرات الأخيرة، وحاولت تفريق المحتجين بالقوة قبل انطلاق التظاهرة.


ولكن المحتجين بدوا أكثر تماسكا، بمواصلة الطريق نحو القصر الرئاسي وسط الخرطوم، الوجهة التي أعلنتها لجان المقاومة لمليونية الخميس، وظلوا يهتفون «أما النصر أو أن نموت. يا ثوار ابقوا الصمود.. الثورة مستمرة.. والشعب إرادته حرة» وغيرها من الهتافات المنددة بالانقلاب والرافضة لحكم العسكر.

وكان بعض الشبان يركضون وهو يطلقون أصواتا حماسية لتشجيع الآخرين، وبينما تقدم أعضاء «غاضبون» وآخرون التظاهرة، حاملين دروعا من الخشب والكرتون ومقاطع براميل المياه، التي يتصدون بها لقنابل الغاز المسيل للدموع، لفتح الطريق أمام بقية المتظاهرين للمضي للأمام، نشطت مجموعات أخرى في ضرب الطبول على طريقة المعارك، بينما قام البعض ببناء المتاريس (الحواجز).
ومع اشتداد القمع في محطة شروني للمواصلات، القريبة من شارع القصر، ارتفع عدد المصابين، وظل المسعفون ينقلون المصابين، على دراجاتهم النارية، التي سرعان ما تختفي بين السحاب الكثيف الناجم عن إطلاق قوات الأمن الغاز المسيل للدموع بكثافة.
وقالت تنسيقيات لجان مقاومة الخرطوم، في بيان، أمس: «سيتواصل فعلنا المقاوم الرافض للانقلاب بلا توقف من أجل تحقيق الحرية والسلام والعدالة وبناء الديمقراطية الراسخة والمستدامة في بلادنا التي عانت من ظلم الأنظمة العسكرية والدكتاتورية والشمولية منذ عقودٍ طويلة، أقعدت البلاد وعطلت مصالح أجيال عديدة من السودانيين والسودانيات».
وأضافت أن «العسكر منزعجون من انبهار العالم ببسالة الثوار، ومن استمرار الحراك الشعبي».
وتابع البيان: «رغم القمع وكل الانتهاكات، نحن ماضون في طريق استعادة الوطن المسلوبة إرادته والمنهوبة خيراته».
وأكمل مخاطبا قادة الانقلاب: «نقولها لكم داوية ومسموعة (البلد دي حقتنا) ولا رجعة عن عهدنا مع إخواننا وأخواتنا الذين قدموا أرواحهم وأطرافهم من أجل الثورة السودانية.. ونعلم أننا أقوى بسلميتنا».
وأشار البيان إلى أن التظاهرات المعتادة ستتواصل حتى إنهاك الانقلاب وسقوطه، مضيفا: «مواكبنا أخافت الدكتاتور وجعلته مضطرباً وحائراً لا يلوي على شيء».
ولفت إلى أنهم «يعلمون أن مشوار الحرية ليس قصيرا، وأنه مليء بالمتاعب والصعاب، ولكنهم عاهدوا الضحايا بأنهم سيمضون في ذات الطريق مهما كانت التكلفة».
وزاد إننا «نمضي واضعين نصب أعيننا أهدافاً لن نتراجع عنها ما لم نحققها، حاملين إيماننا بأنها ستتحقق لا محالة، ومتسلحين بسلميتنا وعزمنا وحب الوطن ومتحدين ضد صلف الانقلابيين وجبروتهم».
وأشار البيان إلى أن «مليونية الخميس حملت رسالة للقوات الأمنية بمختلف مسمياتها، بأن حماية الأفراد والسلطة لن تساعدهم على النجاة من السقوط» مضيفا: «عليهم أن يعتبروا بمن سبقوهم ويعلموا أن الخضوع لأوامر قادة الانقلاب لن يعفيهم من الحساب الفردي والجماعي على كل ما ارتكبوه بحق الشعب السوداني تحت ذريعة الالتزام بالتعليمات، مطالباً إياهم بأن يقفوا إلى جانب الشعب لينجوا هم والوطن».
وأضاف: «نؤكد أن مواكبنا وحراكنا مستمر ومتنوع وبه العديد من المفاجآت التي ستربك السلطة وتثلج صدور الثوار».
وتابع: «إننا على العهد باقون والثورة ماضية وقطار التغيير بالغٌ محطته الأخيرة مهما طال أمد الرحلة وما دمنا صامدين ومتحدين».

ميثاق سلطة الشعب

والأربعاء قبل الماضي، وقعت تنسيقيات لجان المقاومة في العاصمة الخرطوم ميثاق سلطة الشعب، مبينة أنه ميثاق سياسي، تتمثل أهميته في وضعه الأسس التي تمكن الشعب من تولي السلطة وتأسيس دولة وطنية ديمقراطية، لا شراكة فيها مع القوى المضادة للثورة في السودان، ولا تفاوض فيها على وجود المؤسسة العسكرية في الحكم والمجال السياسي، ولا مساومة فيها في حق الشعب في الحياة والعيش الكريم.
وقالت إنه «أول خطوة فعلية للمشاركة القاعدية للسودانيين في قرارات دولتهم، ويهدف إلى وحدة قوى الثورة ووضع لبنة أساسية لقيام فترة انتقالية تضمن تحولاَ ديمقراطياَ فعلياَ وتحقق شعارات الثورة السودانية «حرية، سلام، عدالة».
وأكدت أنه «سيحدث ثقب كبير في عرش الاحتكار والوصاية، وعتبة في سلم الوصول إلى الدولة المدنية الديمقراطية» معتبرة الميثاق «تمترساَ خلف مطالب لجان المقاومة المشتركة التي لن تتراجع عنها».

أربعة فصول

ويتكون ميثاق سلطة الشعب من أربعة فصول، شملت تعريف مبادئ وأهداف ومطالب ومجالس ميثاق الشعب.
ونص على إقامة دولة القانون والمؤسسات التي تعبر عن تطلعات مكونات المجتمع السوداني كافة وتعزيز الحقوق والحريات العامة من خلال تكريس مبدأ الفصل بين السلطات والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في المنافسة السياسية والقصاص العادل والفوري بواسطة محاكم ثورية، فضلا عن الإسراع في عمل التحريات والمحاكمات الخاصة بالفساد وجرائم نظام الإنقاذ، وسن القوانين الرادعة لمكافحة الفساد، وتشكيل لجنة تحقيق دولي للتحقيق في مجزرة اعتصام القيادة وفي جميع المجازر التي ارتكبها المجلس العسكري.
وطالب بحل المجلس السيادي (العسكري) وتشكيل مجلس سيادي مدني جديد من ثلاثة مدنيين فقط، وإلغاء الوثيقة الدستورية والعودة إلى دستور عام 1956 المؤقت، وتشكيل المجلس التشريعي الانتقالي من الثوار ولجان المقاومة والقانونيين والسياسيين الوطنيين وأسر الشهداء الذين صنعوا الثورة، ومراجعة اتفاق السلام.
وأكد الميثاق على ضرورة هيكلة قوات الأمن وتشكيل حكومة ثورية من التكنوقراط الوطنيين والمشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والخبرة، وتكوين مجلس أعلى لقيادة قوات الشعب المسلحة يتكون من الضباط الشرفاء المفصولين تعسفيًا ومن قدامى المحاربين، وأن يكونوا مؤمنين بمدنية الدولة، على أن يتم اختيار خمسة ضباط، يشغلون مناصب وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة بالإضافة إلى قادة القوات البرية والجوية والبحرية، بالإضافة إلى إنشاء 16 مجلسا آخر تنخرط مع الموقعين على ميثاق سلطة الشعب على تكوين مجلس السيادة والوزراء والمجلس التشريعي والمجلس الأعلى لوضع الدستور ومجلس الأمن القومي.
ويتكون مجلس السيادة حسب الميثاق من ثلاثة أعضاء مدنيين مستقلين، عضو سياسي وعضو اقتصادي وعضو من خلفية عسكرية قانونية، على أن يتم اختيارهم بمواصفات دقيقة وصارمة، بينما يتم تشكيل مجلس الوزراء من 17 حقيبة وزارية بالإضافة لرئيس الوزراء وأن يكونوا من الكفاءات الوطنية المستقلة ومشهودا لهم بالخبرة والنزاهة والانضباط وحسن الإدارة.
وقضى بأن يتكون المجلس التشريعي من الثوار، على ضوء مبادرة المجلس التشريعي الثوري مع الإضافة إليها، بالإضافة إلى تشكيل المجلس الأعلى لوضع الدستور من الدستوريين والقانونيين والحقوقيين الوطنيين الشرفاء ومنظمات حقوق الانسان والسياسيين الثوريين ولجان المقاومة.
كما نص ميثاق «سلطة الشعب» على أن يترأس رئيس الوزراء مجلس الأمن وتتكون عضويته من ممثل للمجلس السيادي وجميع الوزارات السيادية وممثلي الأجهزة العدلية والأمنية.

ورغم لقائها بالآلية الثلاثية، الأحد الماضي، إلا أن لجان المقاومة حددت موقفها مبكرا من العملية السياسية المعلنة من بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي والاتحاد الأفريقي وإيغاد، مؤكدة رفضها لأي تسوية مع قادة الانقلاب وأنها ستواصل المقاومة حتى إسقاطهم وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي يطمح لها السودانيون، وتحقيق القصاص العادل لضحايا الانقلاب والثورة السودانية.
وقتل منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حسب لجنة أطباء السودان المركزية، 95 متظاهرا، بينما أصيب قرابة 5000 آخرين.

Share this post