الخرطوم-اليراع-نقلًا عن صحيفة «القدس العربي لندن ميعاد مبارك – في وقت شيعت جموع غفيرة، فجر الأمس، مجتبى عبد السلام-23 عاما- الذي قتل دهساً بسيارة تابعة للشرطة خلال مشاركته، الخميس، في تظاهرات مناهضة للانقلاب في الخرطوم. أثار بيان لشرطة ولاية الخرطوم أنكرت فيه، ضلوعها في عمليات دهس، خلال التظاهرات، ردود أفعال غاضبة، خاصة بعد توثيق عدسات الإعلام والمتظاهرين لتلك الانتهاكات، والتي أسفرت عن مقتل “مجتبى” وإصابة آخرين.
وقال الخبير الحقوقي، المعز حضرة لـ”القدس العربي” إن عمليات الدهس والجرائم الموثقة الأخرى في تظاهرات الخميس ليست بجديدة، وتضاف لمجموع جرائم قوات الشرطة الأخرى التي ظلت تستخدم العنف المفرط في قمع التظاهرات السلمية، مشدداً على ضرورة محاسبة الضالعين في تلك الجرائم.
وأضاف: “كل العنف والقتل الذي يحدث في الشارع، وبأساليبه المختلفة المتهم الأول فيه الشرطة”، واصفا إياها بعدم المهنية والموالاة للانقلاب العسكري.
وأشار الخبير الحقوقي عبد الباسط الحاج لـ”القدس العربي” إلى تضارب بيانات جهاز الشرطة يعكس مدى طبيعة ما وصفه بالفوضى والعبث الذي تمارسه الأجهزة الشرطية، مشيرا إلى أنها تطلق العنان لمنسوبيها للعبث بأرواح المتظاهرين. وأكد الحاج، بأن أساليب القمع المختلفة التي تستخدمها الشرطة في غالبها أوامر صادرة من القيادات العليا للجهاز بالقمع المفرط ومنحهم حصانات كافية للإفلات من العقاب.
وشدد على أن هذا الحوادث لا يمكن اعتبارها تصرفات فردية بقدر ما هي تصرفات تدابير مقصودة لقمع المتظاهرين والتربص المستمر والإصرار في كل مرة على إيقاع أكبر عدد من المتظاهرين وإصابتهم بأسلحة ممنوع استخدامها ضد المدنيين العزل. وأضاف الحاج، أن جهاز الشرطة ظل بعد الانقلاب أداة في أيادي قادته لقمع الشارع واصفا إياه بالجهاز الموالي للانقلاب وغير المستقل. وأكد على أن جهاز الشرطة يحتاج إلى عمليات إصلاح واسعة.
واعتبر القيادي في الحرية والتغيير ووزير شؤون مجلس الوزراء السابق، خالد عمر، حادثة الدهس التي سقط ضحية لها مجتبى عبد السلام في مواكب الخميس، امتداداً لوحشية غير مسبوقة، مضيفا، في تغريدة على حسابه بموقع تويتر: “أن الشعب السوداني الثائر ظل يواجه هذه الانتهاكات ببسالة تؤكد أن الاستبداد مهزوم لا محالة وأن أرض السودان لن تكون منبتاً له مجدداً”.
وتابع: “أقل ما يمكن فعله إزاء هذه الجسارة هي أن لا نتراجع شبراً عن السير في ذات هذا الطريق حتى تحقيق غايات هذا الشعب كاملة غير منقوصة”.
إلى ذلك، استنكرت تنسيقيات لجان مقاومة مدينة الخرطوم، عمليات الدهس التي قامت بها سيارات الشرطة والقوات المشتركة وأسفرت عن سقوط قتيل وعدد من الجرحى، مؤكدة أن هذه الجرائم مهما استمرت وزاد حجمها، مصير مرتكبيها المحاكمات الناجزة، التي ستطال جميع الجناة في مجلس سيادة الإنقلاب ومجلس وزرائه وولاية الخرطوم وقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية لجهة مسؤوليتهم بالتضامن والمسؤولية الجنائية المباشرة عن كل هذه الأحداث.
ولفتت إلى أن العنف الذي قابلت به السلطات المتظاهرين الخميس موثق من قبل المتظاهرين ووسائل الإعلام.
وقالت في بيان أمس: “نرسل رسالتنا إلى قادة الانقلاب العسكريين وإلى قادة الحركات المسلحة والأحزاب السياسية المشاركة في هذه السلطة الانقلابية ومنسوبي نظام المؤتمر الوطني المحلول، بأن أرض السودان ستضيق بكم بما رحبت، وستتم ملاحقتكم وتجريدكم من كل رتبكم وصفاتكم وألقابكم وأموال الشعب السوداني التي حصلتم عليها بوضع اليد”. وأضافت: “إن محاولاتكم اليائسة لوضع تسوية تجعلكم تفلتون من العقاب لن تنجح، وسيكون مصيركم السجن وتطبيق العدالة”.
وأكدت أن “الثوار السلميين” بلغوا مقاصدهم وأكدوا على مطالبهم في مليونية، الخميس، مشيرة إلى أنها مثلت فصلاً جديداً من فصول الثبات والسلميةِ لإسقاط الانقلاب واستمرار الفعل الثوري والسياسي الضامن لإنجاز التحول الديمقراطي والمدني.
وأعلنت لجنة أطباء السودان المركزية عن رصدها 73 إصابة خلال تظاهرات مناهضة للانقلاب الخميس في محيط القصر الرئاسي، بينها 24 إصابة غامضة بسلاح مجهول لم يتم تحديده بعد.
وكانت اللجنة أكدت مقتل مجتبى عبد السلام 23 عاماً، إثر دهسه بسيارة تابعة للقوات الأمنية، تسببت في إصابته في الرأس والصدر والبطن.
وقالت في بيان أمس الجمعة، إن 3 متظاهرين أصيبوا بالرصاص الحي خلال قمع الأجهزة الأمنية للتظاهرات، وأصيب آخر بالرصاص المطاطي، بالإضافة إلى 12 حالة دهس بعربات تتبع للقوات النظامية.
ورصدت 30 حالة إصابة بعبوات الغاز المسيل للدموع، 17 في الرأس و13 في أجزاء متفرقة من الجسد بعبوات الغاز المسيل للدموع، بالإضافة إلى إصابات أخرى. ونددت اللجنة بالقمع المفرط للتظاهرات بالرصاص والدهس وقنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية.
وأكدت رصدها لعدد من حالات الكسر المغلق بالعضد الأيمن، لم يستطع المصابون تحديد مصدر الإصابة، متوقعة استخدام السلطات سلاح جديد يسبب ذلك.
ودعت لجنة الأطباء المركزية، محامي الطوارئ لتوثيق كل الانتهاكات، والمختصين في مجال الأسلحة لوضع هذه الحالات موضع الاهتمام.
في المقابل، أنكرت شرطة ولاية الخرطوم ضلوعها في عمليات الدهس، وقالت إن الضحية، توفي في حادث مروري أثناء التظاهرات، مؤكدة أنها استخدمت ما وصفته بالقدر المعقول من القوة القانونية لتفريق التظاهرات. وأكدت في بيان أنها ظلت تضطلع بواجباتها القانونية في تأمين المسيرات والمواكب وحماية الممتلكات العامة والخاصة.
وقالت انها رصدت تفلت في تظاهرات الخميس، وألقت القبض على 22 متهماً واتخذت في مواجهتهم إجراءات قانونية منهم 2 قُصَّر تم تسليمهم إلى وحدة حماية الأسرة والطفل و17 تم فتح بلاغات في مواجهتهم تحت المواد (77/69) من القانون الجنائي الخاصة بالإزعاج العام من بينهم متهمة، بالإضافة إلى 4 آخرين قالت انها فتحت في مواجهتهم بلاغات تحت المادة (15/ا) من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية بقسم شرطة الخرطوم شمال. وأشارت إلى تعرض عدد من مركبات الشرطة للتلف بتهشيم الزجاج وإتلاف الهيكل الخارجي.
وأكدت أن قوات الشرطة جاهزة للاضطلاع بواجباتها القانونية والدستورية حمايةً للمواطنين في أرواحهم وممتلكاتهم وتوفير الأمن والسلامة العامة وتأمين التحركات، متهمة متفلتين لم تسمهم، قالت إن جهات تقوم باستغلالهم بغية نشر الفوضى لتحقيق أهداف تضر بالأمن والسلم المجتمعي، لم تسم هذه الجهات أيضا.
وبعد ساعات قليلة على بيان شرطة ولاية الخرطوم، نشرت الشرطة الاتحادية، بيانا مناقضا لسابقه، مؤكدة أنها شرعت في إجراء تحقيق عادل وشفاف حول التصرفات التي وصفتها بالفردية، التي صاحبت تعامل قوات الشرطة خلال تظاهرات الخميس.
وأضاف البيان: “تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي وإحدى القنوات الفضائية واقعتي تهور وطيش لسائق دورية الشرطة وسط المتظاهرين وهو سلوك مرفوض جملة وتفصيلاً ولا يشبه الشرطة وإرثها الممتد لأكثر من 114 عام في خدمةً للوطن والمواطن”.
وتابع: “هناك مقطع فيديو لشخص يحمل مسدس (طبنجة) وهو يتأهب للقنص والقتل” مؤكداً الشروع في البحث عن هويته وتحديد تبعيته ان كان (نظامي أو متظاهر مندس)، حسب البيان.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي تناقضت فيها بيانات الشرطة او أوردت معلومات انكشف لاحقا عدم دقتها.
وبعد مقتل نحو 15 متظاهر، برصاص قوات الشرطة، في تظاهرات 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، خرج مدير عام قوات الشرطة وقتها، خالد مهدي إبراهيم الإمام ونائبه الصادق علي إبراهيم، في مؤتمر صحافي، نفوا فيه مقتل المتظاهرين وقالوا إنهم لم يرصدوا إلا مقتل شخص واحد فقط يعمل في مهنة البناء، سقط من “سقالة” أثناء العمل.
وتسببت تلك البيانات المغلوطة لاحقا في إقالة مدير الشرطة ونائبه، بقرارات من رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، الذي عاد وقتها إلى منصبه وفق اتفاق مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان.
وسبق ذلك، وقالت السلطات الأمنية حينها على لسان مدير شرطة ولاية كسلا يسن محمد الحسن إن سبب الوفاة يعود لشعوره بالمرض أثناء التحقيق معه، مشيرا إلى أنه لم يتعرض للإيذاء أو التعذيب.
وفي أواخر يناير/ كانون الثاني 2019، هاجمت قوة من جهاز أمن منزل المعلم والناشط السياسي أحمد الخير – 41عام- وقادته إلى مباني الجهاز في مدينة خشم القربة وقتل تحت التعذيب اثناء نقله إلى مدينة كسلا، شرق السودان.
إلا أن الشرطة حاولت إخفاء ذلك وقالت إنه توفي بتسمم غذائي. بعدها أثبت الطب الشرعي مقتل الخير نتيجة التعذيب وحكم على نحو 29 من كوادر الأمن بالإعدام بعد تورطهم في تعذيب الخير.
وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية في مارس/ أذار الماضي عقوبات على قوات الاحتياطي المركزي التابعة للشرطة السودانية واتهمتها بانتهاك حقوق الإنسان واستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين