تحليل – «القدس العربي»: حاكم إقليم دارفور المثير للجدل تحت عاصفة الاضطرابات الأمنية

لم يكن حاكم إقليم دارفور، ورئيس حركة جيش تحرير السودان، مني أركو مناوي (54 عاماً) طارئاً على المشهد السياسي في البلاد، عقب ثورة ديسمبر 2018، التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع، عمر البشير، الذي شاركه السلطة لسنوات بموجب اتفاق أبوجا 2006.
في تلك السنوات التي عمل فيها مناوي في القصر الرئاسي في العاصمة السودانية الخرطوم، كبيراً لمساعدي البشير، لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي منتشرة في أوساط السودانيين، وكانت أخباره ترد في وسائل الإعلام التقليدية.
لكن مع بدء مفاوضات اتفاق سلام جوبا في عام 2019، بدأ قطاع كبير من السودانيين يتعرف على مناوي عن قرب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ظل دائماً، يقول كلاماً مختلفاً عن الآخرين.
رويداً رويداً، بعد توقيع اتفاق السلام، أصبح مناوي، زبوناً شبه دائم لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال تصريحات وأحاديث تبدو مفارقة، وأحياناً أخرى تبدو بالغة الطرافة.
ومع توليه منصبه، تفاقمت الأزمات في إقليم دارفور، من دون أن يكون لديه القدرة على حلها، لكن أحداث العنف الأخيرة بولاية غرب دارفور، غربي البلاد، أظهرته بمظهر آخر، يبدو فيه القلق على مستقبل اتفاق السلام واضحاً في حديثه.
وقال مناوي في تصريحات صحافية: “كيف تُحرق مدينة في ظل وجود قوات الجيش والشرطة والدعم السريع” قبل أن يتهم القوات الأمنية بالتواطؤ في أحداث العنف التي اندلعت مؤخراً في ولاية غرب دارفور وراح ضحيتها أكثر من 200 قتيل ومئات الجرحى بينما نزح الآلاف.
ونصب مناوي حاكماً لإقليم دارفور في 10 أغسطس / آب الماضي، في حفل كبير بمدينة الفاشر عاصمة الإقليم بحضور رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، حيث أثار تمويل وتنظيم الحفل، جدلا واسعا في أوساط الرأي العام.
وعلى بعد عدة كيلومترات شمال غرب الفاشر التي شهدت حفل تنصيبه، ولد مني أركو مناوي في منطقة فوراوية، بمحلية كرنوي التي تحدها ليبيا من الشمال وتشاد من الشمال الغربي، في عام 1968، حيث درس المرحلة الابتدائية والثانوية بولاية شمال دارفور، قبل أن يسافر إلى دولة تشاد المجاورة للبلاد من الناحية الغربية، حيث درس اللغة الفرنسية، وعمل مدرسا هناك لعدة سنوات. إلى جانب الفرنسية، يجيد مناوي اللغة الإنكليزية إجادة تامة.
مع تدهور الوضع الأمني في الإقليم، وبداية نذر الحرب، ترك مناوي مهنة التعليم وانخرط في عام 2001 في تنظيم مسلح، تحول بعدها بعامين إلى حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، الذي انشق عنه مناوي لاحقاً لينضم لاتفاق سلام مع نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، لكنه في عام 2010 سحب يده منه وعاد لصفوف التمرد، حيث شهدت مواقفه اللاحقة تقلبات متسارعة مثل التي سبقتها.
وبالعودة، إلى حفل تنصيبه والذي قالت السلطات إنه من استحقاقات اتفاق السلام، ووصفه مناوي بالمرحلة الجديدة لتدشين الحكم الإقليمي الفدرالي، حيث قال إن تنصيبه بداية لتنفيذ اتفاق الترتيبات الأمنية المنوط به إنهاء حالة تعدد الجيوش وجمع السلاح وإيقاف نزيف دماء المدنيين، حسب خطاب قدمه وقتها، الأمر الذي يبدو أنه ما زال بعيدا عن أرض الواقع.
والأسبوع قبل الماضي، شهدت ولاية غرب دارفور أحداث عنف واشتباكات بين مجموعات شبه عسكرية تابعة للحكومة، لم تكن الأولى من نوعها منذ تولي مناوي منصب حاكم إقليم دارفور، حيث تجاوز عدد القتلى في إقليم دارفور في الشهور الستة الماضية 500 قتيل، فضلاً عن مئات الجرحى وعشرات الآلاف من النازحين، حسب إحصائيات المنسقية العامة للنازحين واللاجئين.
يومها اتهم مناوي القوات النظامية بالتواطؤ في أحداث ولاية غرب دارفور، واصفا عدم تدخلهم لحماية المدنيين بالمؤامرة.
وقال مناوي خلال كلمة مصورة: “إذا كانت المؤامرة ما زالت قائمة في الخرطوم، هذا يعني أننا لم نوقع اتفاق سلام”. ولكن سرعان ما استدرك، مضيفاً: “اعتبروا أننا لم نوقع اتفاق السلام وساعدونا”، طالبا من السلطات في الخرطوم مساعدة حكومته.
ويواجه حاكم دارفور انتقادات واسعة لوجوده بشكل مستمر في العاصمة الخرطوم وكذلك ولاة ولايات دارفور، رغم تصاعد النزاعات في الإقليم الغربي والأوضاع الإنسانية والأمنية الدقيقة هناك.
ويبدو أن اتفاق السلام، والذي كان من المنتظر أن ينهي الحرب في دارفور التي اندلعت في عام 2003 وراح ضحيتها أكثر من 300 ألف قتيل وخلفت نحو مليوني نازح ولاجئ، يواجه انتقادات حادة من المواطنين هناك، وسط مخاوف من عودة الحرب مرة أخرى، والتي ربما تكون أكثر فداحة في ظل تعدد الجيوش والانتشار الواسع للسلاح في الإقليم، في وقت تشهد البلاد أزمات سياسية وأمنية واقتصادية حادة، تفاقمت بعد الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبعد مفاوضات استمرت لأكثر من عام بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة وتنظيمات معارضة، في جوبا عاصمة جنوب السودان، وقع اتفاق السلام في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2020.
وخلال المفاوضات، أعلن مناوي الانسحاب من تحالف الجبهة الثورية، الذي كان يشغل منصب نائب رئيسه، بعد انتقادات وجهها لها بعدم توسيع قاعدة المشاركة في التنظيم.
ولاحقا، أثناء ترتيبات تنفيذ البنود الخاصة بمشاركة الموقعين على الاتفاق في السلطة، قام بتكوين جبهة ثورية أخرى بقيادته ومشاركة عدد من تنظيمات الجبهة الثورية.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي ينشق فيها مناوي عن تنظيم خلال مفاوضات، فأثناء مفاوضات أبوجا للسلام بين حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير والحركات المسلحة، ظهرت بوادر انشقاقات داخل حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، انتهت لاحقاً بعقد مناوي ضمن مجموعة من منسوبي الحركة مؤتمرا عاما عزلوا من خلاله عبد الواحد من رئاسة الحركة.
وانتهى الأمر بانشقاق مناوي والموالين له وبقاء المجموعة الأخرى مع عبد الواحد الذي رفض الانضمام لاتفاق سلام أبوجا.
وبعد توقيع اتفاق السلام مع الحكومة السابقة، تولى مناوي منصب كبير مساعدي عمر البشير، لمدة أربع سنوات، قبل أن ينفض يده من الاتفاق ويعود للتمرد مرة أخرى.
وفي منتصف مارس/آذار الماضي، حاول مناوي مقابلة عبد الواحد في جوبا عاصمة جنوب السودان.
وقالت تقارير صحافية إن الهدف منها كان إقناعه بالتفاوض مع السلطة العسكرية.
وحسب بيان لحركة جيش تحرير السودان، رفض عبد الواحد مقابلة مناوي، مؤكدا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الجلوس مع الانقلابيين وداعميهم، وأن المعركة تتمثل في إسقاط الانقلاب وليس الاعتراف به والتصالح معه.
وكان مناوي من اللاعبين الأساسيين في مسرح الأحداث التي سبقت الانقلاب العسكري على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث شارك مع حركة العدل والمساواة بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم وحركات وتنظيمات سياسية صغيرة في اعتصام أمام القصر الرئاسي طالب بذهاب حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك. الاعتصام الذي وصفه المجلس المركزي للحرية والتغيير بالمصنوع، انتهى مع وقوع الانقلاب.
وبعد الانقلاب العسكري، وضع حمدوك في الإقامة الجبرية، بينما اعتقل معظم أعضاء الحكومة الانتقالية من قوى الحرية والتغيير بالإضافة إلى عدد كبير من الناشطين السياسيين ولجان المقاومة، في وقت اندلعت تظاهرات رافضة للانقلاب العسكري والداعمين له في كل مناطق السودان، شكلت فيها دارفور حضورا واسعا رغم القمع العنيف.
مناوي الذي يشغل منصب حاكم إقليم دارفور، أقر لاحقاً بأن ما تم انقلاب عسكري، إلا أنه لا يزال ضمن عدد من قادة الحركات المسلحة الذين احتفظوا بمناصبهم ولا يزالون يشاركون العسكر السلطة، معللين ذلك برغبتهم في الحفاظ على اتفاق السلام.
إلا أن أهم بنود الاتفاق والمتعلق بالترتيبات الأمنية وعمليات دمج وتسريح جنود الحركات المسلحة التي لا يوجد حصر واضح لجيوشها لم ينفذ، ولم ينص الاتفاق على نقاط تجميع واضحة لها.
ويتخوف مراقبون من انفجار الأوضاع في البلاد، خاصة في إقليم دارفور في حال استمر تعثر عمليات الترتيبات الأمنية، في وقت تحتاج إلى تمويل ضخم جيوش الحركات المسلحة التي تضاعفت أعدادها حسب تقارير صحافية محلية بسبب انتساب مجندين جدد لها، فضلا عن عودة بعض جيوشها من ليبيا.
وأقر مناوي في تصريحات صحافية بوجود قواته في ليبيا في وقت سابق، لم يحدده، لكنه نفى مشاركتها في الحرب بين الأطراف الليبية.
وكانت الأمم المتحدة قد أكدت في تقرير نشرته في فبراير/شباط الماضي، عمل معظم الحركات المسلحة في دارفور لصالح الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، حيث قامت بتأمين مناطق وإقامة نقاط مراقبة وتلقت مقابل ذلك مدفوعات قدمتها دولة الإمارات.

Share this post