الهاربون من الاضطهاد في الوطن يواجهون مزيدًا من التهميش والعنصرية وخيارات”قوارب الموت”

تونس-علاء حمّودي- (الأناضول) أكثر من 200 لاجئ وطالب لجوء في تونس صعدوا احتجاجاتهم قبل أيام ونقلوا اعتصاما لهم من جنوب البلاد إلى العاصمة
– أبا ذرّ عمر(لاجئ سوداني): البعض قضى أكثر من 3 سنوات ولا نرى حلًا لمشكلتنا
– محمد حمزة (لاجئ سوداني): نعاني التهميش والعنصرية، ولن نقبل إلا بإجلائنا إلى بلدان أخرى
– عمر بن رمضان (المنتدى التّونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية): تونس أخلت بالتزاماتها، وانخرطت في مقاربات أوروبية لمجابهة الهجرة لن تتراجع عنها
– نوفل التّونسي (مفوضية شؤون اللاجئين): طرحنا على اللاجئين العودة للمبيتات بجرجيس لكنهم رفضوا، والمساعدات موجهة لمن تتوفر فيهم الشروط

صعّد لاجئون أفارقة وطالبو لجوء في تونس احتجاجاتهم على ما يسمونه “تهميش” المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وصمت السلطات التونسية، ونقلوا اعتصامهم من جنوب البلاد إلى العاصمة.

أكثر من 200 شخص من 7 جنسيات (السودان وإثيوبيا وإريتريا وتشاد والنيجر والصومال ومالي)، بحسب أرقام رسمية، اختاروا تصعيد احتجاجهم على أوضاعهم و”التهميش” المتواصل و”صمت” الجهات الرسمية، ونظموا اعتصاما للمطالبة بـ”إجلائهم” ورفضا لكل حلول “الإدماج في تونس”.

وبعد نحو 3 أشهر من الاعتصام في مدينة جرجيس (جنوب شرق)، نقل هؤلاء اللاجئون منذ أيام اعتصامهم أمام مقر المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين بالعاصمة التونسية؛ للمطالبة بإيجاد حلول لأوضاعهم، حسب مراسل الأناضول.

وسنويا، يصل إلى سواحل تونس الجنوبية مئات اللاجئين الأفارقة بعد تعطّل قواربهم في البحر، خلال توجههم بطريقة غير نظامية من ليبيا إلى إيطاليا، على أمل الظفر بحياة أفضل في أوروبا.

** افتراش الطريق

وسط شارع “بحيرة بيوا”، بضاحية “البحيرة” الراقية شمال العاصمة، ينفذ اللاجئون وطالبو اللجوء منذ السبت، اعتصامًا أمام مقر المفوضية الأممية، معتبرين أن الهروب من نيران الحروب في بلدانهم وضعهم في “نار جديدة لا يرون مفرًا منها إلا بإجلائهم”.

يطغى على المشهد صور الأطفال في العراء، تحرقهم الشمس نهارًا ويلدغهم البرد والجوع ليلًا، يغسلون أطباق صغيرة بمياهٍ لا تبدو لائقة للشرب حتى، في انتظار مساعدة أو حلٍ قد يأتي وقد لا يأتي في بلدٍ يعيش أزمات اقتصادية واجتماعية حادة.

أطفال ونسوة وكبار في السن، تختلف جنسياتهم لكن المبيت في العراء للبرد القارس ودون توفر أبسط ما يتوجب أن يتوفر للإنسان العادي من دعم مالي أو نفسي أو اجتماعي، هو ما يجمعهم.

“تضييق على تنقلهم” و”رفض لتمكينهم من المساعدات” و”عدم إيجاد حل لمأزقهم”؛ هو كل ما وجده عشرات اللاجئين القادمين من “جرجيس”، بعد إغلاق مأوى كان يحتضنهم لأشهر.

** فرار من جحيم الحرب إلى نار “التهميش”

أغلب المعتصمين، هم فارون من بلدانهم، أو جرى وضعهم في خيام اللاجئين بعد إنقاذهم على يد خفر السواحل التونسية؛ بعد محاولاتهم تجاوز البحر في قوارب “الموت” التي أودت بحياة الآلاف، أملًا في إشراق شمس اليوم التالي عليهم في الجانب الشمالي للمتوسط.

يقول أبو ذرّ عمر (سوداني/ 27 عامًا)، في حديثه للأناضول: “هربت من الحرب في دارفور، ثم من الحرب في ليبيا إلى تونس، وكالكثير من المعتصمين هنا أكمل سنتي الثالثة هنا”.

ويضيف: “قدمت أوراقي للحصول على اللجوء (للمفوضية الأممية) ولم يتم الرد على طلبي حتى اليوم”.

ويتابع: “وضعنا الإنساني والصحي في تردٍ من يوم لآخر، التّهميش مستمر والمفوضية تبيعنا الأوهام”.

ويردف: “تم تنبيهنا إلى منعنا من التنقل بين محافظات تونس، لا عمل نوفر منه قوتنا، ورغيف الخبز قد يتقاسمه 7 أفراد في اليوم، أكثر من 80 بالمئة من المعتصمين مسلمون والصيام زاد في صعوبة تجاوزنا لهذه الأيام”.

وينوه عمر بأنهم طلبوا إجلائهم إلى بلدان أخرى (لم يحددها)، وأنهم لا يرغبون في العودة إلى وضعهم السابق في بلدانهم.

ويتابع، “لا نرى مخرجًا من النفق المظلم الذي وجدنا فيه أنفسنا في تونس، تم تركنا بالتقصير في دراسة ملفاتنا، وبطء تمكيننا من خدمات أساسية تهم الصحة والتعليم والمتابعة القانونية لأوضاعنا”.

من جانبه، يؤكد محمد حمزة (لاجئ سوداني/ 23 عامًا)، في حديثه للأناضول أن “سوء المعاملة والعنصرية والتضييق هو كل ما يلقاه اللاجئون وطالبو اللجوء في تونس، فالكل رفع يديه عن مشكلتنا، لا مساعدات ولا عمل ولا رعاية نجدها هنا”.

ويقول: “الوضع سيزداد سوءًا، بسبب عدم احترام حقوق الإنسان والصمت المريب من الجمعيات الحقوقية خاصة منها الدولية، ولن نتراجع عن طلباتنا بإجلائنا وفتح الباب أمامنا لمغادرة تونس”.

ويضيف حمزة، “لا شيء يوحي بحلٍ قريب، مستقبلٌ غامض وكل واحدٍ من الحاضرين بمكان الاعتصام يواري مشاكله الشّخصية للوصول إلى حل لهذا الإشكال الذي يجمع العشرات والمئات من اللاجئين”.

أطفال يفترض التحاقهم بمدارسهم، وشبان تركوا الأهل والأصدقاء ليجدوا “الجفاء والصّمت واللامبالاة” من السّلطات التّونسية و”تهميش وعدم اهتمام” من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون لاجئين”، هذا ما جاء في محادثات بعيدًا عن الكاميرا للاجئين مع فريق الأناضول.

** أعداد تتصاعد وموقف رسمي “ضبابي”

ووفق أرقام المنتدى التّونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومي)، اعترضت قوات خفر السواحل التونسية، 25 ألفًا و657 مهاجرًا في عام 2021 أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط، أي ما يقرب من ضعف العدد المسجل في العام 2020، والبالغ 13 ألفًا و466 شخصًا.

وقال المتحدث باسم المنتدى رمضان بن عمر: إنه “يوجد في تونس 9 آلاف و547 لاجئًا، 5 آلاف و900 من الذكور، وحوالي 3 آلاف و600 من الإناث، من جنسيات مختلفة أبرزها ساحل العاج وسوريا والسودان والكاميرون”.

وأضاف خلال حضوره برنامج إذاعي بثته إذاعة “موزاييك” الخاصة، الثلاثاء، “صفة لاجئ تسندها مفوضية شؤون اللاجئين وليس الدولة التونسية، التي يتوزع فيها اللاجئون على عدة محافظات”.

ففي تونس الكبرى يتوزع 4390 لاجئًا، و2200 بصفاقس (وسط)، و1200 آخرين بمدنين (جنوب)، 3262 لهم صفة لاجئ وأكثر من 6 آلاف و500 آخرين قدموا مطالب اللجوء إلى تونس، حسب المسؤول.

ونوه بن رمضان، بأنه “خلال شهر يناير/ كانون الثاني الماضي أعلمت المفوضية السّامية لشؤون اللاجئين، منظوريها (اللاجئون) بضرورة مغادرتهم البلاد، وأغلقت مبيتات إيوائهم بالجنوب (مراكز إيواء وشقق)”.

وأوضح أن “هذا القرار جاء مع تمكين عدد قليل من مساعدات مالية لتسيير عيشهم لفترة 3 أشهر (أقل من 90 دولارًا شهريًا)، مقابل الصمت في خصوص العدد الأكبر من اللاجئين الموجودين بتونس وهو ما تسبب في بداية أزمة وانطلاق الاحتجاج في 9 فبراير/ شباط الماضي”.

وفي بيانٍ له، دعا المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الدولة التونسية إلى “تحمل مسؤولياتها بموجب معاهدة جنيف 1951″، و”ضرورة تحيين القوانين الوطنية حتى تسهّل اندماج اللاجئين وطالبي اللجوء وصولا إلى إطار قانوني للجوء وضرورة تحديد استراتيجية وطنية تهم الهجرة وتحترم المقاربات الإنسانية”.

وعن موقف السلطات التونسية، أكد بن عمر، أن “تونس رغم مصادقتها على اتفاقية وضع اللاجئين (جنيف1951)، باتت اليوم رأس حربة في المقاربة الأوروبية لمكافحة الهجرة، حيث انخرطت في سياسات عمقت الأزمة ووضع اللاجئين والمهاجرين”.

** المفوضية تنفي رفضها الحوار

من جهته قال نوفل التونسي المنسق الميداني لمفوضية شؤون اللاجئين في تونس، في حديثه للأناضول: “باب الحوار مع المعتصمين مفتوح ولا صحة لرفضنا التواصل معهم”.

وأشار إلى أن مسؤولين من المفوضية تحولوا إلى مدينة جرجيس في 8 أبريل/ نيسان الجاري، وطلبوا من اللاجئين العودة إلى المبيتات، غير أنهم رفضوا، وطلبوا ترحيلهم إلى دول أخرى”.

وأضاف أن “المفوضية قطعت المساعدات المالية عمن لا تتوفر فيهم شروط الهشاشة نتيجة صعوبات مالية تواجهها منذ فترة”.

وأوضح أن “عدد من المعتصمين هم مهاجرون وليسوا على قائمات اللجوء بتونس”، متمنيا أن “يتم حلّ الأمر بتفاعل إيجابي من اللاجئين أنفسهم”.

Share this post