الخرطوم- وكالات–(القدس العربي)-بينما تواصل معظم القوى السياسية والمدنية المناهضة للانقلاب العسكري رفض الحوار والتسوية مع العسكريين والقوى الموالية لهم، تمضي ترتيبات لاجتماع تحضيري تنظمه الآلية الثلاثية لحل الأزمة السودانية، المكونة من بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان والاتحاد الإفريقي وإيقاد، والذي يبدو أنه يواجه رفضاً واسعاً من المعارضة.
وأكد المتحدث باسم تجمع المهنيين السودانيين، الوليد لصحيفة (القدس العربي) أن الآلية الثلاثية لم تتواصل معهم بخصوص الاجتماعات التحضيرية المزمع عقدها قريباً، مؤكداً رفضهم لأي مهادنة أو تسوية مع الانقلابيين وعناصر النظام السابق.
وأشار إلى أن كل أصحاب المبادرات تجاهلوا مبدأ المحاسبة وأهملوا مبدأ استعادة الأموال المنهوبة ومعالجة الأوضاع الاقتصادية، مشيراً إلى أن أزمة السودان مبنية على صراع اجتماعي اقتصادي قبل أن تكون سياسية وحول من سيقتسم السلطة.
وشدد على رفضهم مصطلح تسوية، مشيراً إلى أن البديل الذي يعملون عليه هو إزاحة الانقلاب ومحاسبة الضالعين فيه، مؤكداً أنهم لن يكونوا جزءاً من أي حوار مع قادة الانقلاب ومن أسماهم النادي السياسي القديم.
وأشار إلى أن الحوارات التي ينخرطون فيها في الوقت الراهن هي الحوارات بين الأجسام الثورية التي تعمل على إزاحة الانقلاب عبر الحراك الشعبي المستمر وصولاً للإيقاف الكامل لدولاب الدولة وانتزاع السلطة.
إلى ذلك، أعلن المجلس المركزي للحرية والتغيير، أمس الإثنين، رفضه دعوة الآلية المشتركة للاجتماع التحضيري، مؤكداً إيمانه بالحلول السياسية التي تحقق مطالب الثورة ورفضه لشرعنة الانقلاب.
وقال القيادي في المجلس المركزي للحرية والتغيير، شهاب الدين الطيب، لـ”القدس العربي”، إنهم رفضوا المشاركة في الاجتماع التحضيري لأنه بالشكل الذي عرضته الآلية لن يقود إلى إنهاء الانقلاب العسكري، مشيراً إلى أن الآلية كانت ستجمع القوى المناهضة للانقلاب مع الموالين له والنظام السابق للتوافق حول رئيس وزراء وترتيبات دستورية ثم الجلوس معاً كمدنيين مقابل العسكريين لإكمال المشاورات، الأمر الذي لا يتوافق مع مطالب الثورة السودانية وأهدافها.
وأوضح أن المجلس المركزي يناقش في الوقت الراهن تصوراً لعملية سياسية هدفها إسقاط الانقلاب واستعادة المسار المدني الديمقراطي، مبيناً أنه سيتداول حول ترتيبات دستوري لإنهاء تأثير المؤسسة العسكرية على السلطة والعمل على إنهاء تعدد الجيوش ودمجها في جيش موحد بما فيها الدعم السريع وإنهاء أعمال الترتيبات الأمنية.
وقال المجلس المركزي للحرية والتغيير في بيان أمس: “حظيت دعوة الاجتماع التحضيري هذا الأسبوع بنقاش عميق من المكتب التنفيذي، وقد قرر المكتب رفض شكل ومضمون الاجتماع التحضيري.
وأكد أن موقف قوى الحرية والتغيير من الحل السياسي موقف مبدئي واستراتيجي، لكنها تريد الحل الذي يحقق مطالب الثورة في إنهاء انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول وإقامة سُلطة مدنيّة كاملة، ويفتح المجال لإنجاز عملية البناء الوطني التي تحقق مطالب الجماهير في العدالة والسلام والديمقراطية والتنمية المستدامة.
وأضاف البيان: ” ندرك أن عملية البناء الوطني لا تتم بين ليلة وضحاها، لكن لا بد من وضع الأساس السليم الذي يتجه بنا نحو تحقيق هذه الأهداف التي سعى شعبنا نحوها في ثلاث ثوراتٍ عظيمة، مشيراً إلى أن ثورة ديسمبر/ كانون الأول تمتلك كل المقوِّمات لوضع الأساس المتين والاتجاه بالشعب السوداني نحو بناء نظام سياسي ديمقراطي جديد.
وجدد المجلس المركزي للحرية والتغيير رفضه لتدخل القوات المسلحة في السياسة والانقلابات العسكرية بشكل قاطع، مؤكداً أن الحل الذي يسعى إليه قائم على مبدأ الجيش الواحد المهني الذي يعكس التنوع السوداني وينهي تعدد الجيوش ويُصلح القطاع العسكري والأمني وفي ذلك تكمن مصلحة السودان والقوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى.
وأكد أنه يتعاطى إيجاباً مع الآلية المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والإيقاد، ومهمتها الرئيسية المتمثلة في طيّ صفحة الانقلاب وإقامة سُلطة مدنيّة وأن الحرية والتغيير تسعى للعمل معها في سبيل تحقيق ذلك. وطالب الآلية بأن تضع في الحسبان قبل بدء التحضير لعملية سياسية، إجراءات تهيئة المناخ، المتمثلة في إلغاء حالة الطوارئ، والالتزام الكامل من السلطة الانقلابية بوقف العنف ضد الحركة الجماهيرية وإرجاع كافة السُلطات التي تخوِّل للقوات النظامية استخدام العنف وعلى رأسه استخدام الرصاص الحي إلى النائب العام والجهاز القضائي.
وشدد على إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين من لجان المقاومة وقادة الحرية والتغيير ولجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو واسترداد الأموال العامة.
ولفت إلى ضرورة أن يعكس تحديد أطراف الأزمة الدستورية طبيعةَ الأزمة والاصطفاف الحالي بدقة، مشيراً إلى أن أطراف الأزمة هي قوى المقاومة الداعمة لعملية التحول المدني الديمقراطي والتي تصدت لانقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي من جهة، والقوى المؤيدة للانقلاب المناهضة لعملية التحول المدني الديمقراطي من الجهة الأخرى.
وقال: “إن الحديث عن توافق الجبهة المدنية الذي يضع المقاومين للانقلاب والمؤيدين له في نفس القائمة هو محاولة قديمة جديدة لتكوين حاضنة تدعم الانقلاب، لتكون تحت سيطرة الانقلابيين وتعمل على تهميش قوى الثورة الحقيقية وعلى رأسها الحرية والتغيير، وأن تبارك هذه الحاضنة الجديدة رئيس الوزراء الذي يجري اختياره في مزاد علني هذه الأيام وتتحدث عنه وسائل الإعلام، وكل ذلك للتمهيد لقيام انتخابات صورية على شاكلة انتخابات نظام عمر البشير”، مشيرة إلى أن نظام البشير قد عاد بالفعل.
وأضاف: “التزامنا بتبني الأدوات السلمية لمناهضة الانقلاب يعني التعاطي مع أي عملية سياسية – تحقق إنهاء الانقلاب وكل ما ترتب عليه وتؤسس سلطة مدنية كاملة – كأحد الآليات المُجَرّبة في الصراعات الداخلية والإقليمية والدولية، دون التنازل عن أي مطلب من مطالب الثورة، مشيراً إلى أنها أكثر الآليات كفاءة وأقلها كُلفة”.
والمدخل الحقيقي لتصفية الثورة، حسب المجلس المركزي للحرية والتغيير، هو زرع الفتن والخلافات بين صفوفها وقواها ومحاولات التخوين والتخوين المضاد، الأمر الذي يعمل عليه أعداؤها، مشيراً إلى أن مصادرة الثورة كذلك واحتكارها وفق منظور فكري أو سياسي ضيق لا يتسع لوحدة جميع قواها يخدم كذلك قوى الثورة المضادة ويسعى إلى تفتيت قوى الثورة.
وأكد على ضرورة الوحدة دون مزايدة أو تفريط، لهزيمة الانقلاب واستعادة الانتقال المدني الديمقراطي.
إلى ذلك، قال الحزب الشيوعي السوداني إن ملامح التسوية التي تسربت تدور حول ما رشح من اجتماع القاهرة للاتحادي الأصل مع الاتحاديين الذين شاركوا في نظام الإنقاذ، وما قالته الآلية الثلاثية خلال لقائها مع وفد الحزب الشيوعي.
وأشار إلى أن الاجتماع التحضيري وفق الآلية هو اللقاء الجامع لكل القوى السياسية دون استثناء، وأن الهدف من هذا الاجتماع هو التوصل إلى وفاق وطني لمناقشة الترتيبات الدستورية، وتحديد المعايير لاختيار رئيس الوزراء والحكومة وإجراء الانتخابات، وتحديد مهام مجلس السيادة والعسكريين.
وقطع الحزب الشيوعي، في بيان، بأن التطورات خلال اليومين الماضيين تشير إلى أن الترتيبات للتسوية قطعت شوطاً بعيداً، مشيراً إلى أن التسوية تمضي نحو إجراء انتخابات في ظل ظروف هيمنة العسكريين وحلفائهم المدنيين على مفاصل مؤسسات الدولة، وبمساعدة القوى الخارجية الإقليمية والدولية التي تراهن على المؤسسة العسكرية وقوى الهبوط الناعم لرعاية مصالحها. وأكد أن تلك القوى تسعى للعودة للسلطة من خلال الانتخابات متوقعاً حدوث عمليات تزوير واسعة النطاق في ظل وجود جيوش وميليشيات قبلية تضم أعداداً هائلة من الأجانب، الذين تحصلوا على الرقم الوطني والجنسية السودانية واحتلوا أراضي النازحين واللاجئين، حسب البيان.
ولفت إلى أن اتفاقية السلام تنص على أن جيوش الحركات الموقعة على الاتفاقية يحق لها الاحتفاظ بسلاحها لمدة 40 شهراً من تاريخ التوقيع، وهي القوات التي ستكون تحت إمرة قادة الحركات المسلحة، في فترة الانتخابات، التي يتوقع إجراؤها العام المقبل.
وقال إن الآلية المشتركة، قطعت بأنه ليس من حق أي تنظيم أو حزب سياسي الاعتراض على مشاركة كل القوى والتنظيمات السياسية في الاجتماع التحضيري.
وأكد الحزب الشيوعي رفضه مشاركة جهات وأحزاب رفضها الشعب السوداني وثار عليها من بينها المؤتمر الوطني والذين شاركوا معه حتى قيام الثورة، مستنكراً عدم وجود معايير واضحة وصريحة تحدد طبيعة وبرامج هذه القوى واصفاً إياها بالمعادية لأهداف الثورة والمواثيق الدولية. ولفت إلى أن القضايا الواردة في برنامج الآلية المشتركة هي قضايا من صميم مهام المؤتمر الدستوري، مشيراً إلى خلو برنامج التسوية من أي إشارة إلى ضرورة تطبيق العدالة ووقف الانتهاكات وتقديم المتورطين في الإبادة الجماعية في دارفور والجرائم ضد الإنسانية ومجزرة فض الاعتصام، ومجازر ما بعد انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول.
وكذلك عدم إشارة البرنامج إلى تفكيك التمكين واستعادة الأموال المنهوبة وحل الميليشيات والجنجويد وجيوش الحركات وقيام جيش قومي موحد، وضم شركات الجيش والجنجويد والأمن والشرطة لولاية وزارة المالية وغير ذلك من مهام الفترة الانتقالية التي تجرى في نهايتها انتخابات حرة نزيهة.
وأكد افتقار مبادرة الآلية إلى المصداقية المطلوبة لجهة إشارتها إلى أن المجتمعين في اللقاء المرتقب هم من سيقومون بحسم القضايا العالقة ذات الارتباط بالأزمة السياسية الراهنة، بينما هم ليسوا مفوضين من الشعب للقيام بذلك.
وأكد أن التسوية المطروحة ستفاقم من تعقيدات الأزمة في البلاد، داعياً الشعب السوداني والقوى الحية في كل مدن ومناطق السودان للتصدي بكل الطرق السلمية لهزيمة ما وصفه بالمخطط الهادف لتصفية الثورة وتكريس الديكتاتورية والتبعية والتفريط في السيادة الوطنية وتجاهل تضحيات الشعب السوداني وأرواح الشهداء والجرحى والمفقودين ومعاناة الناجين من الإبادة الجماعية وضحايا الحروب والانتهاكات المختلفة.
وبدأت الآلية الثلاثية لبعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان (يونيتامس) والاتحاد الإفريقي وإيقاد، الترتيب للمرحلة الثانية من العملية السياسية المزمع عقدها لحل الأزمة السودانية.
وقالت إنها تعمل بشكل مشترك لدعم السودانيين والسودانيات على إيجاد مخرج من الأزمة الحالية الناتجة عن الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر/تشرين الأول وتيسير العودة للوضع الدستوري ومسار انتقالي نحو الحكم المدني والديمقراطية والسلام في السودان. وأكدت أنها ستقوم بدور الميسر للحوار بين الأطراف السودانية والذي يقوم على مبادرات وحلول سودانية.
وانخرطت الآلية خلال الشهر الماضي في لقاءات عديدة مع القوى السياسية في إطار تنظيم ملتقى تحضيري، والذي يأتي بعد مرحلة أولى نظمتها بعثة يونيتامس بشكل منفرد والتقت خلالها طيفاً واسعاً من القوى السياسية والمدنية بعضها موال للعسكريين، قبل أن تعلن لاحقاً العمل المشترك مع الاتحاد الإفريقي وإيقاد لحل الأزمة السودانية.
وترى الآلية أن السودان ليس لديه متسع من الوقت، في وقت تشهد البلاد تدهوراً اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، مشيرة إلى وجود مواقيت مهمة تتعلق بالإعفاء من الديون ومِنح من البنك الدولي ستضيع على السودان إن لم يتم التوصل إلى حل قبل شهر يونيو/حزيران المقبل.
وقالت إنها لن تستطيع في المرحلة القادمة التركيز على كل القضايا العالقة، ولكن ستركز على قضايا الخروج من الأزمة، مشيرة إلى ضرورة أن يكون هناك مرحلة بعد ذلك لحوار سوداني حول الأسئلة الهيكلية الهامة مثل الدستور وتوزيع الموارد والعلاقة بين المركز والهامش.