تراجع اللغة الفرنسية في المغرب وسط دعوات متزايدة للتحول إلى الإنكليزية

تتزايد الدعوات في المملكة المغربية إلى جعل اللغة الإنكليزية، بدلا من الفرنسية، اللغة الأجنبية الأولى في البلاد، الثالثة بعد العربية والأمازيغية، وبينما يعزو مراقبون الظاهرة إلى “أسباب علمية”، يرى آخرون أن لها أبعادا سياسية كبيرة.

فبحسب دراسة أجراها المجلس الثقافي البريطاني في أبريل، يشعر 40٪ من الشباب المغربي أن تعلم اللغة الإنكليزية أكثر أهمية من تعلم الفرنسية، مقارنة بـ 10٪ يعتقدون خلاف ذلك.

وأرجع المجلس هذه النتيجة إلى أن اللغة الإنجليزية يُنظر إليها على أنها لغة التعليم والتوظيف والانفتاح على العالم.

لكن التساؤل الذي يطرحه مراقبون، هل من الممكن أن تصبح اللغة الإنكليزية هي اللغة الثانية في المغرب، بدلا من الفرنسية، في السنوات القادمة؟

وتساءل الدبلوماسي المغربي السابق، أحمد فوزي، في مقال نشره موقع “Medias24”: “هل سنترك الفرانكوفونية ببطء، والتي أصبحت صغيرة جدا بالنسبة لنا، وننضم إلى عالم تحكمه الأنجلو سكسونية؟”.

رغبة شبابية
مدير مركز حماية الحقوق الاجتماعية والاستراتيجية الإنمائية، نبيل بكاني، يرى أن من الممكن أن يحدث ذلك في السنوات العشر القادمة، مشيرا إلى أن هناك كثيرا من التجارب التي تحولت فيها دول من اللغة الفرنسية إلى الإنكليزية.

وأضاف بكاني في تصريحات لموقع قناة “الحرة” أن المغرب نفسه شهد تحولات من هذا القبيل من قبل، فقد تحول من اللغة الإنكليزية والإسبانية إلى اللغة الفرنسية مع بداية الاستعمار الفرنسي للبلاد.

وتابع: “اللغة الفرنسية في المغرب تشهد تراجعا كبيرا منذ سبعينيات القرن الماضي، خاصة بعد رحيل المدرسين الفرنسين من المدارس المغربية، والتوجه نحو مغربة المغرب”.

وأوضح بكاني أنه توجد رغبة شبابية وشعبية للتحول نحو الإنكليزية، مرجعا ذلك إلى أن “اللغة الفرنسية لغة غير عملية في المغرب، ولا تؤدي أي دور وظيفي في الحكومة، بل اللغة العربية هي الأساس في جميع التعاملات”.

وأضاف أن “اللغة الفرنسية لديها تاريخ مشين في المغرب بسبب ارتباطها بالاستعمار، وأن من يدعم استمرارها مجموعة من اللوبيات فقط”.

وأرجع، كذلك، الرغبة في التحول للغة الإنكليزية إلى ظروف اقتصادية. فمع توسع الشركات الأميركية والبريطانية والخليجية في الاستثمار في المغرب تزيد الحاجة إلى اللغة الإنكليزية كشرط للعمل في هذه الشركات

وقال: “اللغة الفرنسية ليست لغة علم، أو تواصل، أو إعلام، أو تكنولوجيا، بل هي لغة كلاسيكية، وتراجع الاقتصاد الفرنسي أدى إلى تراجع اللغة”.

منذ عام 1912، أعلنت السلطات الفرنسية في المغرب اللغة الفرنسية اللغة الرسمية في التعليم والإدارات الحكومية، ولم تُستخدم العربية التراثية في الأنشطة التّقليديّة والخدمات الدّينية.

وفي عام 1956 أعلن المغرب استقلاله، وجعلت الحكومة المغربية اللغة العربية التراثية لغة رسميّة. ومع بداية ستينيات القرن الماضي بدأت الحكومة المغربية عملية التعريب.

يحتاج إلي وقت طويل
أستاذ علم الاجتماع، عمر بنعياش، يرى أن هذا التحول من الفرنسية إلى الإنكليزية ممكن، ولكنه لن يحدث في خلال السنتين القادمتين، بل يحتاج إلى وقت طويل قد يصل إلى 10 سنوات، حتى لا تتكرر تجربة تعريب التعليم في أواخر الثمانينيات، والتي تمت من دون أي دراسة ما أدى إلى إضعاف العملية التعلمية برمتها.

وأضاف بنعايش في تصريحات لموقع “الحرة” أنه حتى الآن لم يصدر قرار سيادي بهذا التحول، ولكنه هو تشجيع على الانفتاح على اللغات الأخرى ومنها الإنكليزية والصينية والألمانية.

وقال: “الحقيقة البارزة أن اللغة الإنكليزية هي لغة العلم، واللغة التي يتحدث بها العالم، أما الفرنسية هي لغة فرضها المستعمر على اقتصاد البلاد وتعليمه”.

وأكد أن عملية التحول سيكون لها تداعيات في المستقبل، لأن الشركات والبنوك والإدارات الحكومية تعتمد على اللغة الفرنسية لا الإنكليزية.

في منتصف أكتوبر الماضي، أثارت صورة لوزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، ظهر فيها وأمامه لوحة مكتوب عليه اسمه ووظيفته باللغة الإنكليزية بدلا من الفرنسية كما كان معتاد، جدلا واسعا في البلاد. وتبع هذه الصورة حملة على مواقع التواصل تحت عنوان: “نعم للإنكليزية لا للفرنسية”.

توجه في التعليم
والخميس، قال وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، إن اللغة الفرنسية تنفر الطلاب من كليات العلوم، بحسب ما نقل عنه موقع العمق المغربي.

وأضاف ميراوي في خطابه أمام البرلمان المغربي أثناء مناقشة الميزانية، أن سبب إقبال الطلبة على التسجيل في كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، راجع لاصطدامهم بمشاكل اللغة الفرنسية في كليات العلوم.

يقول خليل البالغ من العمر 21 عاما، وهو طالب في السنة الرابعة في يونيفرسيتي كوليدج لندن، إن الاختيار واضح. بعد الانتهاء من دراسته في مدرسة البعثة الفرنسية في المغرب، قرر – مثل عديد من زملائه الطلاب – الالتحاق بجامعة في بلد يتحدث الإنكليزية”.

وأضاف خليل، الذي يدرس الهندسة، في تصريحات لموقع “ذا أفريقيا ريبورت” أن نموذج التعليمي الإنكليزي له عدة مزايا، ليس من حيث المعرفة الأساسية فقط، ولكن في النهج نفسه. وأوضح “أولا، يمكنني اختيار تخصصي على الفور، دون الاضطرار إلى الانتظار حتى السنة الثالثة أو الرابعة. ثانياً، يصبح الوصول إلى المعلمين والإدارة أكثر يسرا”.

ويشعر كثير من الشباب أن نموذج التعليم الفرنسي لم يعد مطلوبا في العالم. وهذا ما دفع كثيرين من الشباب في الطبقات الاجتماعية الغنية إلى اختيار الدراسة في كندا أو المملكة المتحدة بدلا من فرنسا، بحسب مجلة “ذا أفريقيا ريبورت”.

وذكرت المجلة أن بعض الأسر المغربية تضطر إلى تعليم أطفالها في مدارس باهظة الثمن حتى يتمكنوا من تعلم اللغة الإنكليزية. وأشارت إلى أنه خلال العشرين سنة الأخيرة زاد عدد مدارس اللغة الإنكليزية الثانوية في المملكة بشكل كبير.

وقال بنعايش إنه بحكم عمله كأستاذ جامعي يلاحظ رغبة لدى الطلاب في تطليق اللغة الفرنسية لأنهم يواجهون صعوبات في تعلمها مقارنة باللغة الإنكليزية.

وأشار إلى أن مدارس البعثات الفرنسية بدأت تلاحظ ذلك، لذلك قررت تعليم اللغة الإنكليزية أيضا في مدارسها.

بعد سياسي
يرى بعض المحللين أن هذا التحول ينطوي على بعد سياسي، خاصة بعد توتر العلاقات بين الرباط وباريس على خلفية أزمة التأشيرات.

فقد قررت باريس، في نهاية سبتمبر الماضي، تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس ردا على “رفض” الدول الثلاث إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين من مواطنيها، وفق ما أعلن الناطق باسم الحكومة غابريال أتال.

ولدى سؤاله عن مدة تطبيق الإجراءات الجديدة، لفت أتال إلى أنها “تقررت قبل بضعة أسابيع” و”ستطبّق” بهدف “الضغط على الدول المعنية لتغيير سياساتها والموافقة على إصدار هذه التصاريح القنصلية”.

بدوره، اعتبر وزير الخارجية المغربي قرار فرنسا تشديد شروط منح تأشيرات السفر لمواطنيه “غير مبرر”. وقال “أخذنا علما بهذا القرار الذي نعتبره غير مبرر”.

وأكد بنعايش أن أحد الأسباب التي أدت إلى صعود هذه الدعوات هو التوتر في العلاقات بين البلدين خلال الفترة الأخيرة، ورغبة البعض في الرد على هذه التوترات بترك اللغة الفرنسية، التي تعتبر الحبل السري الآن الذي يربط البلدين.

وقالت سارة مجدوبي، الباحثة ومديرة وحدة اللغات والثقافات والحضارات في جامعة الرباط الدولية، في تصريحات لمجلة “ذا أفريقيا ريبورت”: “هل يمكن أن يكون إدخال اللغة ظاهرة منعزلة بسيطة، بدون أي تشعبات؟ هذا يبدو بعيد الاحتمال. إن وصول اللغة ليس بريئا أبدا، بل على العكس يبرز وجود صراعات داخلية”. وأضافت: “تعكس أي استراتيجية لغوية رؤية الدولة”.

ويتفق الدبلوماسي المغربي السابق في مقاله مع هذا الرأي، قائلا إن اللغة “ليست للتواصل فقط. وهي أيضا علامة على الهوية وناقل أيديولوجي. إن قوة اللغة الإنكليزية، مثل اللغات الأخرى في الماضي، تعكس توازن القوى بين الأمم، والذي هو الآن لصالح المحور الأنجلو-أميركي”.

وأشارت مجدوبي إلى أن ظهور حركات وخطابات تعزز اللغة الإنكليزية على عدة مستويات في البلاد، بما في ذلك في الجامعات، حيث يتم تشجيع الباحثين على النشر باللغة الإنكليزية”.

وبالرغم من ذلك، خلصت دراسة المجلس الثقافي البريطاني نفسها إلى أنه “على الرغم من تزايد شعبية اللغة الإنجليزية، إلا أن الفرنسية تحتفظ بنفوذ قوي في الحياة اليومية للشباب المغربي”.

وقال: “اللغة الفرنسية لن يتم استبدالها باللغة الإنكليزية. الفرنسية جزء من تراثنا، وعينا وعقلنا الباطن”. وأضافت مجدوبي: “لقد تركت اللغة الفرنسية بصماتها في القانون والثقافة”، وأكدت أنه يجب تقديم اللغة الإنكليزية على أنها “سلسلة أخرى من التحول الثقافي للمغرب”.

وقال بنعايش: “علاقة المغرب مع اللغة الفرنسية تتجاوز 100 عام، لذلك لا يمكن التخلي عنها بجرة قلم”

Share this post