اليراع الدولي-وكالات-الخرطوم-
واصل السودانيون المؤيدون للقوى المدنية طوال يوم الثلاثاء احتجاجهم على سيطرة العسكر على السلطة وإخراجهم شركاءهم المدنيين من الحكم، بعدما قُتل أربعة أشخاص وأصيب أكثر من ثمانين بجروح في الخرطوم برصاص الجيش خلال تظاهرات مناهضة لخطوته.
ووصف تجمّع المهنيين السودانيين أحد المحركين الأساسيين للانتفاضة التي أسقطت البشير، الاعتقالات بأنها “انقلاب”.
ودعا في بيان على تويتر إلى “المقاومة الشرسة للانقلاب العسكري الغاشم”. وقال “لن يحكمنا العسكر والميليشيات. الثورة ثورة شعب.. السلطة والثروة كلها للشعب”. ودعت نقابة الأطباء ونقابة المصارف إلى عصيان مدني.
وأغلقت جميع المحال أبوابها في العاصمة، باستثناء المخابز وبعض محال البقالة، بينما قطع متظاهرون في بعض أنحاء الخرطوم طرقا وأحرقوا إطارات وحملوا الأعلام السودانية وهتفوا “لا لحكم العسكر” و”ثوار أحرار سنكمل المشوار”، فيما قطع الجيش جسورا تربط الخرطوم بمناطق مجاورة مثل أم درمان وبحري.
خطاب البرهان التنويري
وفي وقت مبكر أعلن قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في مؤتمر صحفي اليوم الثلاثاء أن قرار الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك اتُخذ لتجنب حرب أهلية، متهما القوى السياسية بالتحريض ضد القوات المسلحة.
وقال البرهان: “رئيس الوزراء موجود معي في المنزل وليس في مكان آخر وسيعود إلى منزله اليوم”، معتبرا أن حمدوك لم يكن باستطاعته العمل بحرية لأنه كان مقيدا من الناحية السياسية.
ولفت البرهان إلى أن “الحكومة القادمة لن تضم أي قوى سياسية وستكون حكومة كفاءات”، ورأى أن “الوثيقة الدستورية لم تلغ، فقط المواد الخاصة بالشراكة مع الأطراف المدنية”.
وأضاف البرهان: “لم نقم بانقلاب، نحاول تصحيح مسار الانتقال”، متابعا: “الإدانات أمر متوقع لأن ثمة دول ترى أن تحركاتنا هي انقلاب، ولكنه ليس كذلك”.
كما أوضح البرهان أن “خدمات الإنترنت ستعود تدريجيا وسيتم إلغاء قانون الطوارئ فور تشكل المؤسسات”.
إلى ذلك، ذكر أن “المحتجزين المتهمين بتهم جنائية سيظلون قيد الاعتقال، وسيتم الإفراج عن بقية المحتجزين”
وجاءت تصريحات البرهان وسط غليان شعبي ودعوات متواصلة للاعتصام والعصيان المدني تنديدا بالانقلاب الذي نفذه الجيش باستبعاده الشركاء السياسيين من الحكم واستفراده بقيادة المرحلة الانتقالية.
وفجر الاثنين داهمت قوة عسكرية منزل عبدالله حمدوك واقتادته وعائلته إلى وجهة مجهولة كما اعتقلت عددا من الوزراء والشخصيات السياسية المناصرة للحكم المدني أعقبها بيان تلاه البرهان أعلن فيه حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعفاء الولاة وتعليق العمل ببعض بنود الوثيقة الدستورية الخاصة بالمرحلة الانتقالية.
وقال البرهان “عبدالله حمدوك معي في منزلي للحفاظ على سلامته ويمارس حياته بشكل طبيعي وسيعود إلى منزله”، مشيرا إلى أنه “يمكن اختيار بعض الصحفيين لمقابلة رئيس الوزراء والاستماع إليه”، مضيفا “رئيس الوزراء صرح في أكثر من مرة أن هناك مخاطر تحيق بالبلد وكان يعمل بلا دوافع شخصية”.
وتابع مبررا إجراءات الجيش الأخيرة “ما قمنا به ليس انقلابا عسكريا وإنما هو تصحيح لمسار الثورة”، معتبرا أن “البلد يمر في منعطف خطير والمخرج الوحيد بوحدة الموقف والتماسك”.
وقال “خلال الأسبوع الأخير كان هناك تحريض ضد القوات المسلحة وشعرنا بوجود عداء واستهداف تجاه القوات المسلحة. شهدنا تململا لدى القوات المسلحة إزاء المشهد السياسي، وكان هناك مخاوف من خروج الأمور عن السيطرة”.
حمدوك معي في منزلي ويمارس حياته بشكل طبيعي وسيعود إلى منزله. يمكن اختيار بعض الصحفيين لمقابلته والاستماع إليه
وشدد على أن “المخاطر التي شهدناها الأسبوع الماضي كان من الممكن أن تقود البلاد إلى حرب أهلية”، مضيفا أن “واجب القوات المسلحة حماية الوطن لتحقيق الانتقال السياسي”، ملوحا بأن “كل من يهدد الاستقرار سيتم اتخاذ الإجراءات الضرورية ضده بما يحفظ وحدة السودان”.
واعتبر أن المبادرة التي قدمها رئيس الوزراء “تم اختطافها من قبل مجموعة معينة (لم يسمها) وتم إقصاء الآخرين بما في ذلك القوات المسلحة”، معتبرا أن “مجموعة من قوى الحرية والتغيير استفردت بالمشهد على حساب قوى أخرى”.
وفي يونيو/ حزيران الماضي أعلن حمدوك عن مبادرة حول الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال الديمقراطي “تهدف إلى توحيد مكونات الثورة والتغيير وإنجاز السلام الشامل وتحصين الانتقال الديمقراطي وتوسيع قاعدته وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة: حرية، سلام، عدالة”.
وأضاف البرهان “قدمنا 3 خيارات لحل الأزمة إلى رئيس الوزراء حمدوك (لم يوضحها)، كما ناقشنا مع المبعوث الأميركي فيلتمان كيفية حل الخلاف بين القوى السياسية والجيش. ناقشنا مع حمدوك توسعة المشاركة السياسية حتى الليلة الأخيرة قبل الأحداث (مساء الأحد)”.
وقال “مصرون على تشكيل حكومة كفاءات مدنية تقود للانتقال السياسي”، لافتا إلى أن “الوثيقة الدستورية لم تلغ بل تم تعطيل بعض بنودها”.
وأعلن أنه سيتم في الفترة المقبلة تشكيل حكومة قال إنها سترضي كل السودانيين وتمثل كل الولايات إلا أنه لم يضع سقفا زمنيا لتشكيل الحكومة.
وأوضح “هدفنا رؤية حكومة انتقالية تدير البلاد، فيما تفرغ القوات المسلحة لمهامها بعيدا عن السياسة”، مؤكدا على “التصميم على استكمال هياكل العدالة وهي المحكمة الدستورية ومجلس القضاء العدلي ومجلس النيابة”.
وقال “نحن حريصون على استقلال القضاء وأجهزته ونريد تشكيل محكمة دستورية ومجلس تشريعي مكون من شباب مستقلين بلا أجندات”.
وتحدث البرهان عن لجنة إزالة التمكين التي شكلها في ديسمبر/كانون الأول 2019، مؤكدا أنها “ضرورية لتفكيك نظام حكم 30 عاما (في إشارة إلى حكم الرئيس المعزول عمر البشير) ونريد أن تعمل بحياد
مكتب حمدوك يقلل من التصريحات
وردًا على إجراءات الجيش الأخيرة، دعت قوى سياسية عديدة في بيانات منفصلة، المواطنين إلى التظاهر وتنفيذ عصيان مدني شامل.
وأدانت دول ومنظمات إقليمية ودولية قرارات البرهان ودعت إلى الهدوء وعدم التصعيد والالتزام بخريطة المرحلة الانتقالية.
وبالتزامن مع خطاب البرهان، قالت صفحة مكتب رئيس الوزراء السوداني على فيسبوك اليوم الثلاثاء إنه لا بديل إلا الشوارع والمواكب والإضرابات والعصيان حتى تعود مكتسبات الثورة السودانية.وأضافت أن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، المعزول عقب انقلاب عسكري، هو السلطة التنفيذية المعترف بها من الشعب السوداني والعالم.
وقالت “كلمات رأس الانقلاب وإجراءاته لا تعدو أن تكون إلا مجرد تلاوة لإملاءات تأتي من خطوط داخلية وخارجية ولا علاقة لها بالجيش السوداني أو مصلحة الوطن،” في إشارة إلى قائد الجيش عبدالفتاح البرهان
سفراء السودان في فرنسا وبلجيكا وسويسرا أعلنوا انشقاقهم
ومن جهة اخرى أعلنت وزارة الثقافة ولاعلام السودانية المنحلة اليوم الثلاثاء انشقاق ثلاثة سفراء سودانيين واعلانهم رفض “الانقلاب العسكري الغاشم”.
وقال البيان الذي نقلته الوزارة على صفحتها الرسمية على موقع فيسبوك عن السفراء “ندين بأشد العبارات الانقلاب العسكري الغاشم على ثورتكم المجيدة (..) وندعو الدول والشعوب المحبة للسلام إلى رفض الانقلاب ونعلن انحيازنا التام إلى مقاومتكم البطولية التي يتابعها العالم أجمع ونعلن سفارات السودان لدى فرنسا وبلجيكا وسويسرا سفارات للشعب السوداني وثورته”.
والسفراء الثلاثة هم عمر بشير مانيس في فرنسا وعبد الرحيم أحمد خليل في بلجيكا ولدى الاتحاد الأوروبي وعلي بن أبي طالب عبد الرحمن الجندي في سويسرا ولدى مكتب الأمم المتحدة بجنيف.
قال البيان الذي نقلته صفحة الوزارة عن السفراء “ندين بأشد العبارات الانقلاب العسكري الغاشم على ثورتكم المجيدة… وندعو الدول والشعوب المحبة للسلام إلى رفض الانقلاب ونعلن انحيازنا التام إلى مقاومتكم البطولية التي يتابعها العالم أجمع ونعلن سفارات السودان لدى فرنسا وبلجيكا وسويسرا سفارات للشعب السوداني وثورته”.
وأكدت رابطة سفراء السودان أنها “ترفض و بحزم أي عمل انقلابي يهدف إلى تعطيل المسيرة الانتقالية لتحقيق الحكم المدني والديمقراطية في البلاد”.
وكانت أكدت في بيان أنها “تقف بين صفوف منظمات الحرية والتغيير المهنية والنقابية والحزبية لإعلان الإضراب السياسي العام في كل مرافق الدولة حتى تعود الأوضاع إلى طبيعتها”.
وأدان المجتمع الدولي على رأسه الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الافريقي، ما حدث في السودان من انقلاب والقرارات التي اتخذها البرهان.
من جانبه، دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الثلاثاء إلى “الإفراج الفوري” عن رئيس الوزراء السوداني، معربا عن أسفه “لتعدد” الانقلابات و”الإقصاء الكامل” الذي ينتهجه العسكريون.
قال في مؤتمر صحافي إن “الانقسامات الجيوسياسية الكبيرة التي تمنع مجلس الأمن من اتخاذ تدابير قوية والوباء والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية تجعل القادة العسكريين يعتبرون أن لديهم حصانة كاملة وأن بإمكانهم فعل ما يريدون لأنه لن يمسهم شيئا”.
ويعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا طارئا مغلقا بشأن السودان بعد ظهر الثلاثاء وفق ما أعلن دبلوماسيون الاثنين. وتُعقد الجلسة بطلب من المملكة المتحدة وإيرلندا والنرويج والولايات المتحدة وإستونيا وفرنسا.