ثلاثة كتب توثق مسيرة ثلاثة فنانين غيروا الموسيقى العربية

القاهرة – ضمن مساعٍ مصرية لتذكّر سيرِ السابقين من رموز الأدب والفن والاحتفاء بجهودهم ونقل أهم المحطات في حياتهم إلى الأجيال الفنية الشابة، تسعى الكاتبة والناقدة المصرية إيناس جلال الدين للاحتفاء بسيرة عدد من مشاهير الموسيقى والغناء، وتوثيق أهم المحطات في حياتهم، وذلك من خلال الندوات والكتابات والبحث في التراث الموسيقي والغنائي المصري والعربي، والكتب التي تعد بمثابة سير فنية لهؤلاء المشاهير الذين نجحوا في إثراء المشهد الموسيقي والغنائي المصري والعربي.

وفي إطار مشروعها الخاص لتوثيق السيرة الموسيقية لقامات فنية رأت بأنها تُمثل محطات مهمة في التاريخ الفني والموسيقي المصري والعربي، أصدرت إيناس جلال الدين خلال العامين الماضيين ثلاثة مؤلفات صدرت متتالية عن دار يسطرون للنشر والتوزيع بالقاهرة، وثّقت فيها سيرة ومسيرة بعض الوجوه الموسيقية التي رأت أنها شخصيات وضعت بصمات فنية لافتة في تاريخ الموسيقى مصرياً وعربياً.

رحلة مع الموسيقى

المؤلفات الثلاثة هي “فؤاد الظاهري.. حين تسكننا الموسيقى” و”علي إسماعيل.. موسيقار عالمي بمذاق مصري” و”محمد منير.. حالة عشق سمراء في وجدان العالم”.

تحدثنا جلال الدين في كتابها “فؤاد الظاهري.. حين تسكننا الموسيقى” أن الموسيقى تأتي كعامل مشترك ودائم في شتى الفنون، حيث لا مسرح بدون موسيقى، ولا تستقيم عروض الفنون التشكيلية إلا بمرافقة معزوفات موسيقية تكون قريبة من مضمون الأعمال التشكيلية، وشارحة لها، تلفت إلى أنه في الأعمال السينمائية تكون الموسيقى هي توأم الروح للصورة السينمائية.

وتشير إلى أن الفنان فؤاد الظاهري أثرى الحياة الموسيقية بالكثير من مؤلفاته التي جعلت منه أحد أهم المبدعين في مجاله وعصره.

وبحسب الكتاب، فإن فؤاد الظاهري نجح من خلال مقطوعاته الموسيقية في دمج جمال وحلاوة وسحر الموسيقى العربية مع أساليب وتقنيات الموسيقى الغربية في أعمال موسيقية تأثرت بشخصيته الحالمة الهادئة، بالرغم من درب التيار القومي الموسيقي إبان عصره، وذلك من خلال استخدامه للتيمات الشعبية المصرية، وبناء أعمال موسيقية أوركسترالية في قوالب غربية كما في مقطوعته الموسيقية “يا خولي الجنينة”، حيث نستمع فيها إلى “جرس جديد”.

سيرة الفنان فؤاد الظاهري وأهم المحطات في حياته

وفي كتابها توثق جلال الدين سيرة الفنان فؤاد الظاهري وأهم المحطات في حياته منذ ولادته بأحد أحياء العاصمة المصرية القاهرة سنة 1916، والتحاقه بمدرسة الفرير التي تعرف بها على أستاذ الكورال قسطندي الخوري، وهو أول شخص يكتشف الموهبة الفنية للظاهري، ويحتضن تلك الموهبة بالرعاية والتوجيه.

وبدأ الظاهري ثاني مراحل رحلته مع الموسيقى حين تعلم العزف على آلة الكمان، وأبحر في دراسة الموسيقى وتتبع مسيرة كبار الفنانين، فكان من أوائل الموسيقيين الذين استخدموا الكورال، وقام بتوظيفه وإبراز إمكانياته في توزيعه للكثير من أعماله الموسيقية، وقد حصل الفنان على العديد من الجوائز والتكريمات على مدار مسيرته الموسيقية.

عبقرية علي إسماعيل
في كتاب “علي إسماعيل.. موسيقار عالمي بمذاق مصري” تقول جلال الدين إن علي إسماعيل موسيقار عبقري وجد فيه البعض “سيد درويش الجديد”، ولقبه آخرون بـ”بيتهوفن مصر” في دلالة على أن الفنان كان بمثابة ظاهرة فنية لافتة في زمانه وموسيقارا عالميا من حيث التقنية الفنية، مع حرصه على مصرية ما يؤلفه من موسيقى، حيث يفوح عبق الوطنية من جملته الموسيقية وروحه الفنية.

وبحسب الكتاب، فقد كانت موسيقى الأفلام هي الميدان الذي سطع فيه نجم الفنان علي إسماعيل، وذلك بجانب ما حققه من نجاح في مجال الأغنية الوطنية.

موسيقار عبقري وجد فيه البعض “سيد درويش الجديد”

وتذكر جلال الدين أن إسماعيل كان من أوائل الذين فكروا في ابتكار شكل جديد للأغنية، كما جدد في شكل الأغنية الاستعراضية، وكانت له بصمته الموسيقية في مجال المونولوج، وقد ولد الفنان علي إسماعيل سنة 1922، وتوفي وهو في سن الثانية والخمسين.

الأغنية البديلة
تعرض جلال الدين في كتابها “محمد منير.. حالة عشق سمراء في وجدان العالم ” واقع الأغنية المصرية بعد حرب أكتوبر 1973 وما تلاها من أحداث سياسية واقتصادية واجتماعية ألقت بظلالها على الساحة الفنية المصرية والعربية، وكيف دخلت الأغنية في مأزق كبير آنذاك – وذلك حسب قولها – وكان لا بدّ من محاولاتٍ جادة للخروج من هذا المأزق، لأن البديل معناه – حسب قولها – كان يعني وقتها السقوط في هوة أغنية ما بعد الحروب الكبرى، على نحو ما حدث عقب الحربين العالميتين الأولى والثانية.

لذلك بدت الساحة الفنية آنذاك مهيأةً لأغنيةٍ بديلة، ولم يكن أحدٌ يستطيع التنبؤ بماهية هذه الأغنية، ولا بالشكل الذي يمكن أن تكون عليه.

وجاء الفنان محمد منير في هذه اللحظة الحرجة كحلٍ سحري ومَخرَجٍ شديد المصرية، وشديد العصرية في آنٍ معاً، من ذلك النفق المظلم الذي دخلت إليه أغنية ما بعد السبعينات.

وأضافت بأنه رغم وجود تجارب أخرى موازية لتجربة الفنان محمد منير إلا أن تجربته كانت تمثل أغنية شديدة السطوع في مُغايرتها وفي أصالتها في الوقت ذاته.

ملامح الأغنية الجديدة

وكان من المدهش – حسب ما جاء في الكتاب – أن تتلاقى ألحان أحمد منيب وموسيقى فتحي خليل وصوت محمد منير على طريق هذه الصيغة الغنائية المتفردة.

ويوضح الكتاب كيف ظهرت ملامح الأغنية الجديدة على الساحة كملامح أدبٍ جديدٍ وسينما جديدة، والتقت كل هذه الملامح لتصنع شكلاً مختلفاً عن الأشكال التقليدية الموروثة المتعارف عليها، وكان لا بد من تدشين هذا الفكر الجديد، وكان مطلوباً أيضاً تنوير البقع المظلمة أمام أبناء هذه التجربة الجديدة أو البديلة.

يُذكر أن الدكتورة إيناس جلال الدين التي تشغل حاليا منصب مدير عام التخطيط الموسيقي والغنائي بالإذاعة المصرية، كانت قد حصلت على بكالوريوس التربية الموسيقية من جامعة حلوان، ثم دبلومة في النقد الفني من معهد النقد الفني بأكاديمية الفنون بالقاهرة، ثم نالت درجة الماجستير في النقد الموسيقي من أكاديمية الفنون عن رسالتها التي حملت عنوان “السمات المميزة لموسيقى الفيلم عند فؤاد الظاهري وعلي إسماعيل”، ثم نالت درجة الدكتوراه عن رسالتها التي حملت عنوان “الجذور النوبية في الغناء المصري”.

Share this post