أزمة رأسي السلطة الانتقالية تهدد بإغراق السودان في فوضى

الخرطوم -ا ليراع-(ا ف ب)- يتواصل تدفق المحتجين على العاصمة الخرطوم أمام مقر رئاسة الوزراء بالتزامن مع وصول شحنات من الخيام وإقامة مطعم منظم لتوزيع الوجبات على مئات قدموا من مختلف مناطق السودان للمطالبة برحيل رئيس الحكومة الانتقالية عبدالله حمدوك وحكومته مقابل دعم لعودة حكم العسكر، في خطوة تضع البلد على حافة فوضى دموية.

وبدا الحشد لعودة حكم العسكر في السودان أمرا مستغربا في توقيته، فالسودانيون تظاهروا للتخلص من إرث الحكم العسكري ومن القبضة الحديدية لنظام الحكم الفردي الذي جسده البشير طيلة ثلاثة عقود.

وتسود مخاوف من موجة عنف غير مسبوقة على خلفية الشد والجذب بين العسكر والمدنيين فيما تئن البلاد تحت وطأة أسوأ أزمة مالية واقتصادية مع ارتفاع قياسي في نسبة التضخم وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن وارتفاعا كبيرا في نسبتي البطالة والفقر.

وبلغت المؤشرات السلبية مستويات قياسية مع شحّ في السيولة وفي احتياطات النقد الأجنبي وانهيار في قيمة العملة الوطنية.

وأطلقت الشرطة السودانية الاثنين الغاز المسيل للدموع على محتجين حاولوا الاقتراب من مبنى مجلس الوزراء وهم يهتفون مطالبين بإسقاط عبدالله حمدوك.

وأكدت الحكومة المحلية في ولاية الخرطوم العاصمة أن قوات الشرطة “تتصدى” للمحتجين. وكتبت على تويتر “شرطة ولاية الخرطوم وعبر قوات مكافحة الشغب وبإشراف مباشر من النيابة العامة تتصدى لمحاولة اقتحام مجلس الوزراء”.

وذكرت مصادر إعلامية أن العشرات حاولوا الاقتراب من مبنى مجلس الوزراء بوسط العاصمة الخرطوم وهم يهتفون “يسقط يسقط حمدوك”.

ويطالب المعتصمون منذ السبت قرب القصر الجمهوري والمؤيدون للجيش بإسقاط رئيس الحكومة الانتقالية عبدالله حمدوك الذي جمع حكومته في اجتماع طارئ لبحث الأزمة السياسية التي وصفها بأنها “الأسوأ” منذ عزل الجيش للرئيس عمر البشير عام 2019.

وفي اليوم الثالث لاعتصامهم، ردد المعتصمون المؤيدون لتولي العسكر السلطة كاملة هتافات تدعو إلى حل الحكومة المدنية وإسقاط رئيسها.

ويواصل المئات اعتصامهم في الخيام التي نصبوها أمام القصر الرئاسي. وقال الطاهر فضل المولى أحد المحتجين “جئنا هنا لإسقاط الحكومة المدنية لأنها فشلت ولكي يتولى العسكريون هذه الفترة الانتقالية”.

ويؤكد خصوم المتظاهرين أن تحركهم نظم بإيعاز من أعضاء في قيادة الجيش وقوات الأمن، وأن أنصار النظام السابق كانوا بين المتظاهرين.

ويقول مؤيدو تشكيل حكومة مدنية الذين قادوا الثورة الشعبية التي أنهت في 2019 ثلاثين عاما من حكم البشير، إن الاعتصام هو بمثابة “انقلاب” يتم تحضيره في بلد عرف الكثير من الانقلابات.

وقرر المعتصمون البقاء حتى رحيل حمدوك وحكومته، فيما دعا مناصرو الحكم المدني إلى مسيرات الخميس المقبل في كل مدن السودان.
ونظم أنصار الحكم العسكري الاعتصام بشكل جيد استعدادا لاستمراره في العاصمة التي باتت ساحة اختبار قوة بينهم وبين مؤيدي الحكم المدني.

ويتولى رجال يعملون مع شركة نظافة خاصة ويرتدون زيا موحدا كنس الشارع الذي يؤدي إلى القصر الرئاسي ويقع في وسط منطقة الاعتصام وأقيمت على جانبيه خيام بيضاء.

وعلى بعد مسافة صغيرة، يتم العمل في مطبخ كبير في الهواء الطلق، تحت أعين أحمد آدم أحد المشرفين على إعداد الطعام للمعتصمين.

وبين زجاجات الزيت وأقفاص الخضروات وأكياس الأرز وعبوات المياه المعدنية، تحدث آدم شارحا أن مطبخه “يستقبل تبرعات بمواد إعداد الطعام من أفراد وجهات وكذلك من اللجنة المنظمة للاعتصام”.

وفي وجبة الفطور صباح الاثنين، كان هناك لحم وفول وفلافل وعدس ضمن قائمة الطعام التي تعد ثرية في بلد مثل السودان يعاني من آثار النزاعات ويعد من أفقر بلدان العالم، حسب الأمم المتحدة.

وفيما تنطلق أغنيات وطنية من مكبر صوت وسط الاعتصام، يقول محمد عيسى ذو السبعة وخمسين عاما الذي جاء من القضارف بشرق البلاد “كل شيء منظم جدا، يقدمون لنا الطعام ومياه الشرب”.

ومن وقت إلى آخر يتقافز شباب صغار إما لتوزيع وجبات على المحتجين أو لإنزال خيام جديدة وصلت لتوها .

وأكد عثمان ميرغني المحلل السياسي أن هذا الاعتصام الذي بات يطالب اليوم بإسقاط حمدوك لا علاقة له “بالثورة” التي أطاحت بنظام عمر البشير في أبريل/نيسان 2019.

وقال “الانتفاضة التي أطاحت الديكتاتورية كان تمويلها تمويلا ذاتيا، لكن هذا الاعتصام مصنوع من جهة رسمية ولذا هناك شبهة بأن تمويله من هذه الجهة الرسمية”. وكان أغلب المشاركين في احتجاجات 2019 من النساء والشباب.

ووسط المعتصمين تجلس بائعات الشاي والقهوة بأثوابهن السودانية التقليدية التي تغطي كل أجسادهن كما اعتدن العمل في شوارع الخرطوم.

وكانت مريم، إحدى البائعات، تهم بمغادرة مكانها قرب القصر الجمهوري قبل حلول الليل مساء السبت لكن كل شيء تغير مع بدء الاعتصام. وقالت “صرت انتظر لوقت أطول في الليل وأحصل على دخل أكثر من ذي قبل”.

ويفترض أن تقوم السلطة الانتقالية المؤلفة من مدنيين وعسكريين بإدارة البلاد إلى حين تنظيم انتخابات عامة في العام 2023، لكن يبدو أن ثمة دفع من العسكر لقلب المعادلة التي أفضت إلى تقاسم السلطة.

وقطع أحمد جمعة حوالي ألف كيلومتر للمطالبة “بحكومة عسكرية” وهو يعتصم منذ ثلاثة أيام مع مئات آخرين أمام القصر الجمهوري بوسط العاصمة السودانية الخرطوم.

وجاء جمعة وهو مزارع في الخامسة والستين، السبت من إقليم دارفور الذي مزقته الحرب لسنوات طويلة ليجلس مثل مئات المعتصمين تحت خيام أو في ظل شجرة للضغط على حكومة تواجه أزمة اقتصادية متردية وتعرضت قبل وقت قريب لمحاولة انقلابية.

وتأتي هذه الاحتجاجات على اثر أزمة بين رأسي السلطة الانتقالية (العسكر والمدنيون) تبادل فيها الطرفان الاتهامات بالتسبب في تردي الأوضاع.

وسبق لرئيس الحكومة الانتقالية أن حذّر من موجة عنف، مشيرا إلى أنها مدفوعة من قبل أنصار النظام السابق، اتهم رئيس المجلس السيادي السيادي عبدالفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، السياسيين بالانشغال في معارك على المناصب.

Share this post