عن صحيفة الاهرام المصرية بتصرف-يعتبر الطهطاوي رائد النهضة المصرية الحديثة، (فهو من الممتازين حفاظ القرآن ومن نوابغ تلاميذ القصابي والشيخ حسن العطار، وخاصة الأخير منهما الذي احتفى به، وفتح له بيته وتلقى عليه علوم متباينة، ومن أهمها التاريخ والأدب والجغرافيا، حتى أصبح في نظر معاصريه، الأديب الأريب، العلامة الثبت، الثقة الحجة في كل علم وفن، الذي سابق جهابذة عصره في مضمار العلوم والفنون، فلم ينتظم معه سمطها أحد إلا كان واسطة العقد في جيد الزمن)
ولد رفاعة بك بن بدوي بن علي بن محمد بن علي بن رافع في 15 أكتوبر عام 1801م في طهطا بمديرية جرجا بصعيد مصر، أسرته من الأشراف، تنقل مع والده من بلدته إلى منشأة النيدة، ثم فرشوط ومنها إلى قنا، حفظ القرآن وجميع المتون خلال تنقله، توفى والده في عام 1816م، فانتقل إلى القاهرة والتحق بالأزهر الشريف في عام 1817م.
تتلمذ على يد العديد من شيوخ الأزهر، أهمهم الشيخ حسن العطار الذي ولاه عنايته، واهتم بدراسة التاريخ والجغرافيا، وأتم دراسته في عام 1822م، وعُين مدرساً به لعامين، ثم واعظاً وإماماً بالجيش في عام 1824م، وسافر مع أول إرسالية مصرية إلى فرنسا لنفس المهمة في عام 1826م، بدأ بتَعلم الفرنسية بنفسه رغبة منه في تحصيل علوم جديدة أو ترجمتها إلى العربية، فدرس التاريخ والجغرافيا وعلوماً أخرى، وأكثر الاتصال ببعض الشخصيات العلمية منهم مسيو جومار، والعالم البارون دوساسي، كما اهتم بالتأليف والترجمة، أرسل لمصر ترجمته لكتاب “مبادئ العلوم المعدنية” عام 1828م، وطُبع بإذن من الباشا، وسجل مشاهداته من أحداث سياسية وعلمية وزياراته للمتاحف، وأنهى كتابه “تخليص الإبريز في تلخيص باريز” في عام 1831م، وطُبع بمطبعة بولاق الرسمية في عام 1932م.
عاد إلى القاهرة فى عام 1831م، وعُين مترجماً بمدرسة الطب بأبي زعبل، وأشرف إلى جانبها على مدرسة المارستان، دَرس الحساب والهندسة والتاريخ والمنطق، انتقل إلى مدرسة الطوبجية في عام 1833م مترجماً للعلوم العسكرية والهندسية، وأنشأ في العام نفسه مدرسة التاريخ والجغرافيا، وجمع محاضراته وأصدرها في كتاب “التعريبات الشافية لمريد الجغرافية”، كما ترجم “جغرافية ملطبرون”.
أنشأ مدرسة الترجمة “الألسن” في عام 1835م، وأشرف عليها فنياً وإدارياً ودَرس بها الأدب والشرائع العربية والغربية، وأشرف على اختيار الكتب للترجمة، وزاد نشاطه بالترجمة أثناء وجوده بالمدرسة، وعاونه فيها الشيخ أحمد عبد الرحيم، وتخرج على يديه منها كثير ممن عملوا بالتدريس في المدارس المصرية، وامتازت مدرسته أنها تدرس اللغة وخاصة الفرنسية، إلى جانب فنون الإدارة والقوانين الأجنبية وفنون الأدب العالية والشرائع الإسلامية.
وانشأ قلماً للترجمة عام 1841م، وشارك في تأسيس مدرسة الإدارة الإفرنجية “العلوم السياسية” عام 1844م، وقسم خاص للإدارة الزراعية الخصوصية عام 1847م.
أُسند إلية الإشراف على الوقائع المصرية (أول جريدة عربية) في عام 1842م، وتولى رئاسة تحريرها، وأدخل التجديدات على محتواها وإخراجها، فغير اسمها وبدأ تمصيرها وإدخال اللغة العربية بها لتأخذ الصدارة، ثم ترجمها إلى اللغة التركية دون الإخلال بالأصل العربية، فصدرت الصحفية بالعربية في الناحية اليمنى والتركية إلى جانب اليسار، وقال في وثيقة تنظيم “الوقائع المصرية” التي ارسلها لمحمد باشا واخذ موافقته عليها:(أما الحوادث الخارجية، وإن كانت ستنشر في الجريدة إلا أن الأخبار المصرية ستكون المادة الأساسية).
كما اهتم بحداثة الأخبار التي تنشرها صحفيته وأعطى لها الأولوية، بل وكلف مترجم بإحضارها إذا تأخرت، فقال:(وأنه إذا لم ترد هذه الحوادث فى الوقت المناسب يُكلف على لبيب أفندي معاون ديوان المجارس المترجم العربي بالذهاب إلى الدواوين لإحضار الأخبار).
ولم يقف التغير والتجديد على الشكل فقط، وإنما تطرق إلى موضوعاتها، وتحولت الأخبار والحوادث وحتى الافتتاحية إلى موضوعات رئيسية هامة للشرق وأوروبا، وبعدت الافتتاحية عن المديح والحشو غير المبرر، وناقشت السياسة الداخلية والخارجية، وصدر قرار بترقيته إلى قائم مقام في عام 1843م.
أرسله عباس حلمي الأول إلى السودان، وأغلق مدرسة الألسن في نوفمبر عام 1849م، وظل فيها 3 سنوات أشرف على مدرستها، وترجم خلالها الرواية الفرنسية “تلايمك”، وعاد إلى مصر في عام 1854م مع تولى سعيد باشا، وأعاد قلم الترجمة ومدرسة الألسن، وتولى وكالة المدرسة الحربية عام 1855م، ثم أنشأ مدرسة مستقلة للحربية بالقلعة، كما تولى نظارة مدرسة الهندسة ومصلحة الأبنية، وأعد أول مشروع لطباعة كتب التراث العربي الإسلامي، فُصل من كل وظائفه الرسمية في عام 1861م.
عاد للصدارة في عهد الخديوي إسماعيل، فتولى نظارة قلم الترجمة،وخطط مع على مبارك مجلة “روضة المدارس” التي صدرت في عام 1870م ورأس تحريرها، وكان له مطلق التصرف فيها فضمت الأدب والسياسة والتاريخ، وكذلك موضوعات في الطب والزراعة والتجارة، وأصدر ملاحق تناقش موضوعات طويلة لا تحتملها المجلة المحدودة الصفحات، واهتم بشئون المرأة، فكانت مجلته في مقدمة الصحف الشرقية في هذا المجال.
وألف كتابة “المرشد الأمين للبنين والبنات” في عام 1872م، وبلغ إجمالى ما ترجم 7 كتب، إلى جانب العديد من المؤلفات، تزوج كريمة ابنة خاله الشيخ محمد الفرغلى الأنصاري في عام 1839م، وتعهد لها في عقد الزواج بعدم التعدد، وتزوج من أخري بعد وفاتها، توفي في 27 مايو 1873م بأمراض المثانة، ودُفن بمدافن العائلة بباب الوزير.